منذ شهور ونحن نقرا ونشاهد الكثير من قضايا وبلاغات عن فساد مالى وسياسى، نهب أراضى الدولة، ونزح أموال البنوك وتربح ورشاوى تلقاها كبار المسئولين فى نظام مبارك. ونتعامل مع كل هذا كأننا نراه لأول مرة. مع انه كان فسادا يدور على الهواء، ويجرى فى أجهزة الدولة مجرى الدم فى العروق.
لكن الأمر تحول الى ما يشبه المولد، ونرى من كانوا شركاء فى الفساد او صامتين عليه، وقد ارتدوا ثوب الشجاعة المتأخر. وبعض مقدمى البلاغات من المفروض أن يكونوا أمام جهاز الكسب غير المشروع كمتهمين وليس كمبلغين.
ومثل هؤلاء قيادات أو أعضاء الأجهزة الرقابية انضموا الآن فقط إلى طوابير الشجعان واصبحوا يقدمون ملفات عن فساد كان مسكوتا عنه، يفعلون ذلك بعد فوات الأوان. وبعضهم موظفين كبار فى أجهزة رقابية. يقدمون تقارير يقولون إنها كانت محجوبة لصالح التغطية على فساد الكبار.
كانت تقارير جهاز المحاسبات تنشر بشكل انتقائي. حيث يتم نشر التقارير الخاصة بالهيئات والمؤسسات العادية، بينما التقارير الخاصة بالأجهزة السيادية، يتم حجبها وإخفاءها، فلم نر تقريرا عن مؤسسة الرئاسة أو وزارة الداخلية، أو حتى عن الصحف الحكومية، التى كان رؤساء مجالس اداراتها يمنعون نشرها او حتى مناقشتها.
كما أننا لم نعرف من يراقب الأجهزة الرقابية. و نرى الآن بعض قيادات الجهاز يخرجون ليقدموا ملفات فساد، متأخرة لسنوات وبعضها سقطت الجرائم التى كانت فيه بالتقادم.و هناك سؤال مهم عن السبب وراء صمت هؤلاء الموظفين طوال سنوات،ربما كانوا يتعرضون لضغوط أمنية أو سلطوية. لكن يظل السؤال: كيف اصبح هؤلاء شجعان مرة واحدة؟.
بالطبع فان أجواء الثورة والتغيير، ربما تكون قد منحت هؤلاء الغاضبين شجاعة إضافية، وأنهت لديهم حالة الجبن التى منعتهم لسنوات من قول الحقيقة. ودفعتهم لكتمان الشهادة. ولا مانع من بعض الشك فيما يقدموه وفى نياتهم، ولا يمكن استبعاد أن «بعض الشجعان الجدد» كانوا غارقين لآذانهم فى آبار الفساد. كان هناك سؤال كبير وما يزال. كيف كان الفساد بكل هذا الاتساع بينما لدينا عدد كبير من الأجهزة الرقابية، نعرف منها الرقابة الإدارية، والجهاز المركزى للمحاسبات، ومباحث الأموال العامة، والكسب غير المشروع، والبنك المركزى، وغيرها من الأجهزة التى كانت موجودة والفساد يجرى على قدم وساق.
هل كان العيب فى هذه الأجهزة أم فى النظام السياسى الذى كان يقوم على الفساد أو يسهل له العمل بالقوانين. وسط الضجيج يصعب أحيانا التمييز بين الحق والباطل أو بين الحقيقى والمزيف.
ونرى فاسدون يبلغون عن الفساد وفاسدون بالصمت تنتابهم شجاعة متأخرة،ونخشى ان يكون الهدف هو التشويش على الفساد وليس مكافحته.