إذا أجريت الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر القادم، فسوف تطارد لعنة الحل البرلمان القادم، بعد إقرار الدستور الذى سينسف كثيرا من القواعد التى أجريت على أساسها، مثل نسبة الـ50% «عمال وفلاحين»، وغيرها من القواعد الحاكمة للنظام الانتخابى وتركيبة البرلمان، وهو ما يستوجب حله وانتخاب برلمان جديد، لا يشوبه عدم الدستورية، وبمعنى أدق لن يكتب النجاح لـ«برلمان ترانزيت»، لا يستمر أكثر من سنة، لتدخل البلاد - قبل أن تلتقط أنفاسها - فى ماراثون طويل آخر، حتى تستقر الأوضاع من جديد.
إجراء الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر القادم، يتيح الفرصة لعودة كيان مشكوك فى شرعيته وجدواه، هو «مجلس الشورى» الذى لعب دور «خيال المآتة»، ويطالب كثير من القوى السياسية بإلغائه، وتشييعه إلى مثواه الآخير، وبالتالى لماذا تضييع الوقت والجهد والنفقات لخلق كيان محكوم عليه بالإعدام أصلا؟، وهل من الأفضل أن تبدأ الحياة البرلمانية على أسس سليمة، أم ببرلمانات ضعيفة تجىء بسرعة وترحل بسرعة أكبر؟!
من الآن وحتى سبتمبر، لن يكون الوقت كافيا للأحزاب الجديدة أن تتقدم بأوراق تأسيسها، ثم تختار كوادرها، وتعد برامجها وتطرحها على الرأى العام، فى ظل النظام المختلط «فردى وقائمة»، وما أدراك ما القائمة، التى تحتاج توافقا بين أعضاء الحزب، يصل إلى حد إنكار الذات والالتزام الشديد فى ترتيب مرشحيها، حتى لا تنفجر القوائم فى وجه الأحزاب إذا لم يرض المرشحون عن مواقعهم، لأنه من المتوقع ألا تحصل أى قائمة حزبية على أكثر من مقعدين أو ثلاثة فى ظل المنافسة الشديدة، وبالتالى فالفوز من نصيب أوائل القائمة، والباقون «كمالة عدد».
القضية الأكثر خطورة هى التدهور الأمنى، وهل تستطيع الشرطة فى الظروف الراهنة توفير الحماية لحوالى 44 ألف لجنة انتخابية، خصوصا فى المناطق التى تسيطر عليها العائلات والعصبيات؟، وكيف يمكن التعامل مع أمراض الانتخابات المستعصية مثل البلطجة وسطوة رأس المال؟، وماذا يحدث إذا تم اقتحام لجنة والسطو على الصناديق أو إحراقها؟.. صحيح أن القوات المسلحة ستوفر الحماية والطمأنينة، وستكون الدرع الواقية ضد أى محاولات لإفساد الانتخابات، ولكن يجب أن نضع فى الحسبان دائما الأعباء الجسام التى تقع على عاتقها فى الظروف الراهنة.
«الدستور أولا» يحل كل هذه الإشكاليات، ويهيئ الأجواء لإعادة بناء سلطات الدولة على أرضية نظيفة، ويحدد صلاحيات البرلمان القادم، وشكل نظام الحكم، وهل هو رئاسى أم برلمانى أم خليط من الاثنين، وهل سيكون من حق الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية - مثلا - أن يشكل الحكومة، وكيف يحدث التوازن الدقيق بين سلطات رئيس الدولة، وصلاحيات الحكومة، ودور البرلمان فى الرقابة الشعبية، فى إطار منظومة تضمن التعاون وعدم التصارع، وتدفع بالبلاد خطوات واسعة على طريق التنمية والإصلاح.
الوقت لن يقف عائقا أمام انتخاب أو اختيار هيئة تأسيسية من الشخصيات المرموقة المشهود لها بالخبرة والنزاهة لإعداد مشروع الدستور الجديد، وطرحه للنقاش العام، وصولا إلى توافق مجتمعى حول نصوصه وأحكامه قبل الاستفتاء عليه، ولن تنجح هذه الخطوة المهمة إلا إذا تسلح القائمون عليها بالرغبة فى الإنجاز، وليس الجدل والسفسطة والخلاف، وأمامنا تجارب دول عريقة الديقراطية، ولها دساتير رائعة، يمكن استلهام روحها وفحواها لصياغة دستور مصرى أصيل، يرسم الطريق نحو المستقبل، ويحافظ على الدولة الحديثة، ويحمى حريات الأفراد ويصونها ويمنع الافتئات عليها.
فى اعتقادى - بعد إقرار الدستور - لن تكون هناك مشكلة فيمن يأتى أولا، الرئيس أم البرلمان، لأن السيادة ستكون لصندوق الانتخابات.. رئيس ينتخبه الشعب فى ظل تداول حقيقى للسلطة، يحمى الحاكم والمحكوم، وينهى إلى الأبد «ديمومة الكرسى» التى التصقت بالنظام السياسى المصرى منذ أيام الفراعنة، رئيس قوى بنفس قوة مصر وعظمة شعبها، يضع نصب عينيه الخروج من المنصب، وليس الخلود فيه، ولا تتجمد فوق شفتيه كلمات القسم الذى يبدأ به عهده بالحفاظ على الوطن ورعاية مصالح الشعب. البرلمان أولا أم الدستور؟.. الهدف هو الاستقرار أولا وأخيرا.