بالرغم من أن السنوات العشر الأخيرة فى مصر شهدت حراكا سياسيا كبيرا من الحركات الحرة، فإن الوضع الآن يبدو خاليا من السياسية، ويفتقد إلى التنظيمات التى يمكنها جذب المواطنين الذين يتوقون إلى أشكال تقودهم إلى المشاركة. خلال العقد الأخير كانت الأحزاب السياسية التقليدية تدخل فى الصراعات والتلاشى، وينفرد الحزب الوطنى بتركيبته المختلطة بالسياسة على طريقته. وتحدث البعض عن «موت السياسة» داخل الأحزاب والنظام. فى نفس الوقت ولدت حركات معارضة غير حزبية، وتبلورت رغبة التيارات المختلفة نهاية 2004 فى الحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» بشعارها الموجز «لا للتمديد لا للتوريث»، ثم نشأت حولها جماعات، فنانون وطلاب ومحامون وصحفيون وأطباء من أجل التغيير. كانت تجمعات نشيطة فضفاضة تستوعب التيارات المختلفة حول أهداف موحدة، وبسيطة. جذبت التيارات المختلفة من اليمين واليسار والوسط، وأصبحت بوتقة لعمل سياسى جماعى بلا التزامات حزبية.
واصلت الحركة صعودها وكان أهم ما قدمته هو نشر فكرة الاحتجاج والرفض، بين فئات مختلفة من المصريين، خاصة أنها جذبت عددا كبيرا من الشخصيات العامة ورجال أعمال صغار ومثقفين وأكاديميين وأساتذة الجامعات ممن لم تكن لهم صلة مباشرة بالسياسة. ورأينا أمثال المفكر الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيرى، والدكتور محمد أبوالغار وغيرهما. تزامن كل هذا مع ظهور الصحف الخاصة والفضائيات التى كانت تنشر وتناقش أفكار هذه الحركات وأنتجت زخما ما جذب إليه قطاعات من الأغلبية التى كانت تقاطع السياسة، وتهتم بها فى الوقت نفسه.
بجوار «كفاية» ظهرت حركات نشيطة ونقاط ساخنة مثل حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، ومثلها حركة داخل القضاء، ثم حركة 6 أبريل التى دعت لإضراب 2008 الذى نجح جزئيا، ثم ظهرت الجمعية الوطنية للتغيير والتى تشكلت فى العام الأخير تمركزا حول الدكتور البرادعى، حركة كفاية بعد سنوات دبت الخلافات داخلها وأصابها الوهن، ونفس الأمر بالنسبة لحركة 6 أبريل.
كانت المعارضة الحركية تتجه إلى مبارك والحزب الوطنى، وجعلت التظاهر والاحتجاج حدثا عاديا. وفى العامين الأخيرين قبل سقوط النظام كانت هناك مظاهرة على الأقل يوميا، لمواطنين استفادوا من زخم «كفاية»، بينما الحركة نفسها بهتت، وبدا أن اليأس أصاب كثيرين داخلها.
لكن بعد سقوط النظام كان الطبيعى أن تظهر هذه الحركات أكثر قوة بما لديها من أرصدة، وأن تستعيد هذه الحركات نشاطها وزخمها، فى ظل حرية أوسع ووضع يسمح بالحركة ونشر الوعى السياسى. لكن ماجرى كان العكس.. المزيد من الانكماش، والتشتت. ماتت السياسة فى وقت كان يفترض أن تكون أكثر تأثيرا.. هو أمر يستحق المناقشة.