وائل السمرى

من يثأر لأحمد سبع الليل؟

الثلاثاء، 14 يونيو 2011 06:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هم لا يعرفونك، وربما ينكرونك، أو يهملونك، أو يذبحونك بيد ثابتة وأعصاب باردة، أما أنا فربما قابلتك فى وقفة احتجاجية، أو نهرتك فى مظاهرة، أو ضربتك فى إحدى نوبات الكر والفر، قتلناك ولم يوخزنا ضميرنا ولا مرة، ولم نشعر بالذنب قط، ولم نشيعك بتلويحة، ولم نطلب لك الرحمة، أو نسألك الغفران.

سامحنى يا أخى، أنا لا أعرف اسمك، لكنى سمحت لنفسى أن أطلق عليك اسم «أحمد سبع الليل» الذى خلدك به الرائع الأجمل عاطف الطيب فى فيلم «البرىء»، الطيب يا «سبع الليل» عرفك وشافك وعاشرك، فنقل ما رآه إلى الراحل الكبير أحمد زكى، الذى تقمص روحك وطيبتك وغيرتك على وطنك وإخلاصك فى فدائها، فأوجعنا كلما تذكرناه وتذكرنا فطرتك الكريمة، ومحبتك الجمة، ونظرتك الحزينة.

كنت يا «سبع الليل» تحب ابن بلدك الذى يعلمك ويقرأ لك، وحينما أتى دورك فى التجنيد قال لك صديقك إن «الجندية شرف» لأنك ستحارب أعداء الوطن، لكن الطغاة يا أخى زيفوا الحقائق، وقالوا لك إن أبناء الوطن هم أعداؤها، رحت تضرب فيمن تظن أنهم أعداء، وكلما ضربت أكثر نلت الرضا، حتى وجدت ابن بلدك الذى تحبه مترنحا وسط من تحسبهم معتدين آثمين مخربين، كففت يدك يا صديقى عنه، وحميته بجسدك ونلت عنه العذاب حتى قضى، فتمردت وقَتَلت وقُتِلت.

ظنت الناس أنك انتهيت وذهبت مع نزول تترات الفيلم، لكنك ظهرت لنا مرات ومرات فى 25 يناير أو ما بعدها، كنتَ أنت العصا الغليظة التى تهوى على رؤوسنا، بينما هم من ورائك ينهرونك ويشتمونك ويأمرونك بأن تلاحقنا وتضربنا وتمسك بنا، فكنت واقعا بين مرين، إما أن تَضرِب أو تُضرَب، فَضَرَبتَ وضُرِبتَ، وقَتَلتَ وقُتِلتَ.

كنا فى ثورتنا نعرف لماذا نحن هنا وماذا نريد وإلى أى طريق سننفذ، لكنك كنت بلا إرادة، تقاتل من أوهموك بأنهم «أعداء الوطن»، فمت بالوهم والجهل والفقر والاستبداد والطغيان، كما مات شهداء ثورة مصر الكريمة، لكننا احتفينا بميداننا وثورتنا وشهدائنا وأرواحهم النبيلة، وودعناك إلى مثواك الأخير مصحوبا باللعنات.

ذهب البشوات إلى مكاتبهم أو أحضان زوجاتهم، وذهب الثوار إلى ميدانهم، والشهداء إلى جناتهم، بينما ظللت أنت واقفا لا تعرف إلى أين تذهب أو لماذا أتيت، تركوك وحدك وهربوا، ولم تجد إلا إخوتك الحقيقيين ليحموك من فورة الغضب، وكنا قبلها نناديك ونستعطفك، «يا عسكرى يا غلبان قولى بتقبض والنبى كام» لكى نخبرك بأن ثورتنا من أجلك ولك، بينما كنت أنت «ودن من طين وودن من عجين» تسمع ولا تتأثر، أو تتأثر ولا تُظهِر، أعرف أنه لو كان الأمر بيدك لوقفت معنا وهتفت مثلنا، لكنك يا أخى كنت تخاف من آمريك، ومنا، هم استغلوا جهلك وفقرك ووضعوك أمامنا كدرع بشرية صلبة وقاسية ومخيفة، ثم مت بأيديهم الجافة النجسة التى وضعتك فى مجابهة إخوتك، وتركتك وحدك بين السماء والأرض.

الآن أتذكر لك اسما آخر، هو «أحمد عزيز فرج عبدالله»، وكل ما أعرفه عنك هو ما نقلته لنا الصحف التى قالت إنك جندى بسلاح الأمن المركزى المصرى، مت فى الخامس والعشرين من يناير أثناء المظاهرات، وأراد الطغاة أن يحملونا دمك، لكن الله برأنا منه، فقال الطب الشرعى وقتها إنك تعرضت للاختناق «من جراء القنابل المسيلة للدموع»، ثم وقعت مغشيا عليك، وأصبت بكدمة فى الرأس ففارقت الحياة، أى أنهم قتلوك كما قتلونا، وأمثالك يا أخى كثير، ماتوا «فطيس»، لم تحتفل بهم وسائل الإعلام، أرسلك المستبدون إلى الموت مع سبق الإصرار والترصد، ولم يحاكمهم قاض انتقاما لروحك الطيبة، ولم يتطوع محام من أجل أن يسترد لك حقك، لكن لا تحزن يا أخى فى الوطن والهم، ولا تحسب أنك المظلوم الوحيد، فمازال قاتلوك وقتلة شهداء ثورتنا ينعمون بمحاكمات ناعمة متراخية، ومازال بعضهم طليقا خارج البلاد أو داخلها، وإن أتى اليوم الذى سنقتص فيه منهم فسأحسب أننا اقتصصنا لك، يا أحمد يا سبع الليل يا أخى البعيد.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة