نظرة سريعة على حالة السياسة والأحزاب فى مصر تشير إلى أن الواقع لم يتغير، لم يختف الحزب الوطنى تماما بالرغم من الحكم القضائى بحله، ولم تظهر أحزاب جديدة يمكنها تعويض الفراغ السياسى، الحزب الوطنى اختفى من السطح، ومعه الأحزاب المعارضة التى ارتبطت به. ولم تظهر أحزاب أو تنظيمات جديدة يمكنها أن تجذب الأغلبية الصامتة أو التى كانت صامتة للمشاركة، فقط ظهرت إعلانات ونوايا لتشكيل أحزاب لاتزال فى حالة التحرك الإعلامى، الأمر الذى يجعل من السهل على أعضاء الوطنى وقياداته استعادة السيطرة والعودة من باب خلفى. ومثلما تفرض عقدة مبارك نفسها على الحركات الجديدة، يفرض الحزب الوطنى ظلاله، وتخلو الساحة إلا من جماعة الإخوان التى أطلقت حزبا للسياسة، مع الاحتفاظ بالجماعة.
هناك نظرة سادت طوال السنوات الماضية لدى النخبة والمثقفين ترى الأحزاب عبارة عن تجمع للانتهازيين، بعد إلغاء الأحزاب فى التجربة الأولى بعد ثورة يوليو، ووصمت أحزاب التجربة الثانية التى حاول الرئيس السادات إعادتها، بقرار تم من خلاله تقسيم الاتحاد الاشتراكى إلى منابر، يسار ويمين ووسط ولم تنفصل الأحزاب عن روح التنظيم الواحد، اصطدمت بالسادات فى نهاية حكمه، ومع حملة سبتمبر، كانت هناك مرحلة نشطة لأحزاب العمل والوفد والتجمع فى بداية الثمانينيات، فى بداية حكم مبارك من خلال مؤتمرات جماهيرية كما لعبت الصحف الحزبية كالشعب والأهالى والوفد دورا مهما، كان حزب التجمع يضم مفكرين مثل الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله وفؤاد مرسى، ولم يكن أى حزب يخلو من قيادى أو أكثر من الأكاديميين والخبراء. رأينا حزب الوفد يصعد فى الصورة ومعه العمل والتجمع، لكن مع الوقت بدأ الحصار الأمنى للأحزاب، بعد أن تسلم جهاز أمن الدولة ملفاته، وبدأت عمليات إزكاء للصراعات والانشقاقات التى استهلكت الوقت والجهد، وبدأت الأحزاب تختصر فى صحف.
وسيطرت لجنة أحزاب الوطنى على الأحزاب بالمنع والمنح، حجبت أحزاب الكرامة والوسط، وسمحت بعدد كبير من الأحزاب مجهولة المنشأ، تنحى مبارك وهناك 26 حزبا، لا يمكن لمواطن تذكر أسماء عشرة منها.
هذا كان الواقع، بعد مبارك، والآن بعد تعديل قانون الأحزاب وجعلها بالإخطار، تقدمت تيارات عديدة بطلبات وأعلنت عن نفسها، لكنها ظلت أسماء، ومازال المواطن يسمع منها وعودا وإعلانات، وظلت فى طور المناظرات السياسية التى تنعقد فى فنادق أو قاعات مغلقة بعيدا عن الجمهور، أو بين جمهور الندوات.
الأحزاب الجديدة بالرغم من كثرة عددها، وحديثها جميعا عن المستقبل لاتزال تعانى عقدة النظام السابق، تم حل الحزب الوطنى، وتبقى كوادره، وماتت الأحزاب القديمة، ولم تظهر الجديدة بعد، والتى تأتى وصورة الأحزاب لدى الجمهور غير واضحة.. ويفترض أن تخرج منه لتبدأ صفحة جديدة.