للثورات أبطال والأبطال أصناف والأصناف هنا ثلاثة منهم من يثور ثورة غير خالصة ملوثة بشوقه للشو والحصول على قصد خاص من ورائها، ومنهم من تبدأ ثورته بنقاء وتلوثها فى النهاية ظهوره على شاشات الفضائيات باعتباره بطل الثورة ومحركها الرئيسى فى ظل مئات الشهداء الذين قدموا حياتهم دون أن يحصلوا منا على التقدير المناسب والآلاف المصابين الذين يقضون سنواتهم القادمة بعاهات مستديمة.
أما الصنف الثالث والأصعب من الأبطال فهو ذلك الذى يقوم بعمل بطولى وفارق فى تاريخ الثورة على مرأى ومسمع من الجميع وتتناول جميع الصحف والفضائيات والمواقع الإلكترونية صوره ليلا ونهارا، تطالبه بالظهور والحديث عن عمله البطولى غير أنه يرفض الخروج ويؤكد تشديده على عدم نشر اسمه أو صورته الكاملة لكى يبقى عمله البطولى مشهدا للثورة ورمزا لكسر حاجز الخوف.
أتحدث وبشرف عن بطل ثورة حقيقى وليس بطلا من ورق، هو ذلك الشاب الذى وقف فى شارع القصر العينى أمام أحد مدرعات الأمن المركزى رقم 36443 فى أشد أيام الثورة، وقف بثبات دون أى اهتزاز واضعا يديه فى جنبتيه، مرتديا تى شيرت أسود ورشاش مياه المدرعة فى وجهه ومئات من أفراد الأمن المركزى من خلف المدرعة ينتظرون لحظة الانقضاض عليه غير أن الشجاعة التى ملأت قلبه فى ذلك الموقف كانت أقوى من آلاف المدرعات وقطاع الأمن المركزى بأكمله، لأنه ظل واقفا فيما تراجعت المدرعة، ليتحول ذلك المشهد من عمل فردى بطولى إلى محطة فارقة فى تاريخ الثورة تعكس انكسار حاجز الخوف لدى المصريين بعدما انتشرت الصورة على المواقع الإلكترونية ونشرتها الصحف العالمية قبل المحلية على صدر صفحاتها الأولى.
الصورة التى التقطها الزميل المصور الصحفى طارق وجيه كانت الدافع الأكبر لدى آلاف الشباب بكافة المحافظات للنزول إلى الشارع والمشاركة فى الثورة، لأن الصورة تتحدث عن نفسها وتحث بل تجبر أى شاب يراها إما على البكاء أو التهليل بصوت عال "تحيا مصر" بل على خروج ألفاظ عفوية على غرار "أبوس التراب اللى بتمشى عليه".
اختفاء ذلك الشاب على مدار الـ5 أشهر الماضية كانت محل تساؤلات من قبل آلاف المستخدمين على الفيس بوك وسط "انتشار شباب الثورة _ على الفضائيات، بل وصل الأمر إلى إنشاء صفحة على الفيس بوك اسمها "الشعب يريد معرفة البطل" يزيد عدد المشاركين فيها عن 8 آلاف مصرى، غير أنه قبل يومين حدثت واقعة غريبة كان بطلها الشاب محل حديثنا، حيث حضر إلى جريدة الأهرام شاب يدعى "كريم رضا" طالب بكلية نظم وتكنولوجيا، وأكد أنه الشاب الذى وقف أمام المدرعة يوم 25 يناير ووقتها فوجئ زملاؤنا فى الأهرام واعتزوا به اعتزازا شديدا لأن البحث عن ذلك البطل كان أصعب من البحث عن "إبرة فى كوم قش".
تم نشر الخبر فى موقع الأهرام تحت عنوان "الأهرام تعثر على صاحب أشهر مشاهد ثورة يوم الغضب" ووقفت الدنيا ولم تقعد، وتحديدا على موقع الفيس بوك، احتفاء بالبطل، غير أنه بالأمس حضر إلى مقر جريدة الأهرام الشاب الحقيقى الذى وقف أمام المدرعة وأكد بالدليل وبصور له وقت الحدث لم تنشر فى الإعلام من قبل أنه هو ذلك الشاب البطل.
الغرض من قص تلك الواقعة ليس فى سعى شخص آخر لنيل شرف البطولة بقدر غرضى فى إبراز سمات وأخلاق الأبطال، حيث شدد البطل على الزملاء بجريدة الأهرام أنه جاء إليهم بغرض الإيضاح فقط، وليس بغرض الظهور فى الإعلام، بل أكد أنه اتخذ قراراً نهائياً بذلك وبعدم الكشف عن شخصيته لأى وسيلة إعلام، رغبة منه فى أن يكون ذلك سراً ويبقى المشهد رمزاً للثورة كما كان ورمزاً لكسر حاجز الخوف.
أخلاق الشاب، التى أركز عليها، وثقافته تجسدت مرة ثانية فى حديثه لزملائنا بالأهرام واستشهاده بمشهد حدث فى 5 يونيو عام 1989 خلال الاحتجاجات التى اجتاحت الصين، عندما وقف رجل أمام 4 دبابات ولقب هذا الشخص باسم "تانك مان" أو رجل الدبابة، مشيراً إلى أن هذا الرجل لم يعرفه أحد حتى الآن، وظلت صورته تمثل أحد رموز انتهاء الحرب الباردة.
أخلاق البطل تجسدت للمرة الثالثة فى عدم إخباره لعائلته عن عمله البطولى لعدة أيام وعلمهم بذلك الموقف من الصور المنتشرة على الإنترنت.. بطلنا.. بطل الثورة الحقيقى وليس البطل الورق، لم يسع للشو بالانضمام لائتلاف هنا أو ائتلاف هناك للظهور فى فضائية هنا أو هناك.. إنما ظل كما هو بنقائه وبثوريته التى نرتوى منها كلما شاهدنا صورته أمام المدرعة.. فتحية له ولأبطال مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة