بعد 25 يناير كان هناك ثلاث طرق، الأول أن يقف مبارك ومن خلفه باقى رجال نظامه فى طابور طويل أمام منصة إعدام ليحصل كل على دوره وعلى ما يستحقه من اللعنات قبل الوصول إلى المنصة، والطريق الثانى يعتمد على وجود الطابور نفسه الطويل لمبارك ورجال نظامه، ولكن أمام منصة القضاء لتدور مجموعة من المحاكمات العادلة بعيدا عن حبال المحاكم المصرية الطويلة، أما الطريق الثالث فهو طريق العفو، وكل هذا الكلام الرومانسى عن السماح والغفران.
الطريق الأول لم يمش فيه أحد اعتمادا على شعار الثورة البيضاء أو لأن الثورة نفسها كانت أضعف من أن تتخذ قرارات بهذا الشكل، والطريق الثانى اخترناه ولكن غفلنا عن أن حبال المحاكم المصرية لا يمكن أن يتم تقصيرها فى يوم وليلة، وبالتالى طال زمن المحاكمات ومعها طالت ألسنة الشائعات والنميمة لتكتب قصصا مؤامراتية عن طبخة يتم إعدادها لتبرئة رجال النظام السابق أو تخفيف حدة ضربات سوط العدالة فوق أجسادهم، وبالنسبة للطريق الثالث.. كان حالما أكثر من اللازم، أن ندعو شعبا تمت سرقته وقمعه وقهره وسلب كرامته على مدى 30 سنة لأن يعفو ويغفر دون حتى أن يشفى بعض من الغضب الذى فى صدره.
الطريق الذى اخترنا السير فيه على أساس أن الثورة قامت لتحقيق العدل هو سبب الارتباك والإحباط الذى نعيشه الآن، والخطأ بدأ منذ اللحظة التى لم يتم فيها تغيير وجوه السلك القضائى القديمة لتفتح صفحة المحاكمات الجديدة مع رموز النظام السابق دون أن تتعرض يوما للتشكيك فى أنها كانت قريبة من دائرة هذا النظام ورجاله، ثم جاء الخطأ الثانى فى عدم وجود خطة واضحة لتلك المحاكمات والاعتماد على ما يلقى به الحظ أو الموظفون الغاضبون أو المنتقمون من بلاغات فساد بعضها موثق وبعضها شفهى حتى أصبح أمام الجهات القضائية عشرات الآلاف من الأوراق التى تستدعى بالضرورة مد طول فترة التقاضى، دون أن يعى أحدهم أن كل ساعة تمر دون أن يحصل فيها الناس على تقرير واضح لمصير الذين ظلموهم وحكموهم بالحديد والنار يعنى مزيدا من الشك فى سير المحاكمات وفى نوايا القصاص منهم.
والشك هنا مقبول لأن مئات الشواهد ظهرت بعد 25 يناير تكفل حصول مبارك والعادلى ونظيف وباقى الشلة على أحكام سريعة تطفئ غضب الناس وتزيد من حصة الصبر داخل قلوبهم، مثلا منذ تنحى مبارك وكلما حدثت فجوة ما بين الجيش والشعب، يخرج البعض من قيادات المجلس العسكرى ليؤكد أنهم رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين فى الميدان.. قالوا ذلك فى بداية الثورة مباشرة ليكسبوا بنطا شعبيا ونحن نصدقهم ونحمل لهم ذلك الجميل فوق رؤوسنا ورؤوس عيالنا لأنه بدون موقف الجيش كان من الممكن أن تموت تلك الثورة فى مهدها، ولكن أليس من حقنا أن نطلب الآن شهادة تلك القيادات أمام القاضى الذى يحقق مع مبارك ونجليه أو رجال نظامه بدلا من اللف والدوران والبحث عن دليل إدانة للرئيس المخلوع؟، أليس من حقنا أن نبحث ونطلب تلك الأدلة التى تكفل محاكمات سريعة تقطع الشك باليقين حتى لا يضيع البلد فى بحر شكوكه؟!، أليس من حق العدالة أن تستفيد من تلك الشهادة وتلك التصريحات إن كانت صادقة؟.. مجرد سؤال!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة