يقال إن كائنات فضائية ألقت بشىء ما فى النيل قبل الثورة بأيام، هذا الشىء منح المصريين طاقة خفية كان لها مفعول السحر، أطاحت بمبارك وأودعت نجليه ورموز نظامه السجن، وجمعت الناس على هدف نبيل، وأربكت الأعداء، وبهرت العالم، وجعلت الطقس أفضل من أيام المخلوع، وبعد 18 يومًا من النشوة والإصرار، وبعد التنحى ضاع تأثير المادة الفضائية، وأفاق الناس ليكتشفوا أن كل شىء عاد إلى ما كان عليه قبل الثورة، وأن رؤساءهم فى العمل كما هم «حتى لو تم استبدالهم»، وأنه لا يوجد تغيير، فأصيبوا بالإحباط، هذه الأسطورة الجديدة حكاها لى صديقى محمد محسن صاحب الصوت الجميل الذى جلجل فى الميدان طوال أيام التحرير، فى سياق حديث عابر عن مستثمرى الثورة الذين ركبوا الفضائيات والصحف، أسطورة تبدو ساذجة ولكنها نافذة، تليق بخيال شباب يشعر بأنه تتم سرقته، لأن رموز النظام السابق نجحوا فى اختزال الثورة فى الوجوه نفسها التى كانت تدافع عن نخبة مبارك الاقتصادية والسياسية فى الماضى «بعضها كان يهاجمه أحيانًا»، الوجوه التى تشاهدها ليلاً وتقرأ لها صباحًا، نجحت فى عزل الثورة عن الذين قاموا بها، ستجدهم على مائدة الحوارات السريالية التى يديرها رجلان من القرن الماضى أسسا معًا عندما قامت ثورة يناير من أجل هدمه.
ستجدهم فى النوادى «إياها» والمنتديات المدبلجة، يتحدثون عن خطايا العهد البائد وعن التضحيات التى قاموا بها من أجل «الوطن»، وتم «تثبيت» شباب الثورة بنفاقه، بالإضافة إلى نفاق المجلس العسكرى والإخوان، أصبح كتاب الأعمدة أكثر من القراء، وظهرت وجوه جديدة كانت تظهر فى الميدان بصحبة الكاميرات «أحدهم يكتب فى كبريات الصحف الآن قال إنه اشترى للثوار سندويتشات بـ 1200 جنيه»، وتغير «الكفيل» فى بعض المناطق، وظهر آخرون بضاعتهم الماضى، وبين الحين والآخر يكثر «الرغى» فى الفتنة الطائفية والحديث عن الأمن والسلفيين، ولا تجد أحدًا «فاضى» يتحدث عن إسرائيل ولا عن الدول التى تلعب فى أحشائك، ولا عن وقائع رمزية لها علاقة بالدولة لا النظام، مثل هروب مساجين من مصر وأشياء أخرى لها علاقة بالحدود.
قرأت قبل أيام فى الوفد عن عصابة مكونة من مصريين وفلسطينيين وأردنيين، تخصصت فى استئجار وسرقة سيارات فارهة وتهريبها إلى غزة، والموضوع ليس فى السرقة ولا فى السيارات، ولكن فيما حكاه أحد المتضررين، الذى ذهب خلف سيارته إلى غزة عبر الأنفاق، أى يخرج مواطن من وطنه إلى بلد آخر بدون المرور على الجوازات «ما بالك بالداخلين»، ويكتشف هناك أن «حماس» تتقاضى سبعة آلاف دولار عن كل سيارة مهربة لكى يتم تسجيلها، وعندما عثر على سيارته فى شوارع غزة، قيل له بالمستندات إنه باعها لشخص آخر وتم توثيق العقد فى الشهر العقارى بالشرقية.
وحكايات أخرى محبطة، تؤكد لك أن وطنك يعيش فى العراء، وما أن يتم الإعلان عن القبض على جاسوس ينتمى للموساد حتى تفرد له الصفحات والصور، بالطبع يشعر الواحد منا بالسعادة عندما يحدث هذا، إن أناسًا ما نثق فى حرصهم على البلد يقومون بعملهم وسط هذه الفوضى.
ولكن السخرية التى صاحبت القبض على الجاسوس «العبيط» إيلان تشايم جرابيل لا تدعو للسعادة، لأنها «سطحت» الموضوع، بدلاً من لفت الانتباه إلى خطورة الإسرائيليين على مصر والثورة والمستقبل، وأيضًا خطورة أنصار التطبيع، الذين يتحدثون بحماس عن الدستور والنظام الرئاسى والإسلام السياسى، بعد أن ضاع مفعول الكائنات الفضائية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة