هل تحتاج التيارات السياسية إلى مراجعات مثل تلك التى أجرتها الجماعة الإسلامية لأفكارها قبل سنوات؟ هل يحتاج اليسار واليمين والليبراليون والإسلاميون إلى مراجعات ونحن فى مرحلة جديدة. الحاجة إلى المراجعات تأتى من الاعتراف بوجود حالة سيولة وصراعات وجدل يبدو عقيما، هناك حالة من سوء الفهم السياسى تتسع، وتعكسها مظاهر الصراعات منذ يناير إلى الآن. صراعات تبدو أحيانا بلا هدف.
حدث ذلك ويحدث فى المؤتمرات والحوارات التى تحولت إلى «مكلمة» عشرات من الائتلافات والأحزاب، التى يراها البعض ظاهرة صحية، حتى لو كان كل تيار يتوزع فى عشرين فصيلا تختلف. ويحرص كل منها على هزيمة خصمه بالضربة القاضية.
قبل سنوات فاجأت قيادات الجماعة الإسلامية الناس بما سمته المراجعات، انتقدت فيه طريقة تفكيرها واعترفت بأخطاء ارتكبتها وتراجعت عن تبنى العنف منهجا للتغيير. واعترفوا بأن الرصاص والتفجيرات لا تكفى لتغيير العالم.
عندما صدرت المراجعات انقسم الناس حولها. المتعصبون من التيارات الدينية اعتبروها صفقة مع جهاز أمن الدولة. والمتطرفون من خصوم الجماعة يسارا ويمينا اعتبروها مناورة. رفضها أنصار الجهاد والقاعدة. ومرت الأيام وخرج بعض قيادات الجماعة ومنظريها، ومنهم ناجح إبراهيم وأخيرا عبود الزمر. ومع أخذ التصريحات، التى تبدو أحيانا خارج السياق فإن هذه الجماعات تغيرت وبدت أقرب إلى الوسطية منها إلى التطرف. اعترف هؤلاء بالانتخابات والتداول، ورأينا انتخابات لمجلس شورى الجماعة. وهى تحولات بدت انقلابية فى أفكار جماعات كانت ترفض الديمقراطية وتحرمها.
ونظن أن انتخاب قيادات وإدارة حوارات هو تأكيد على صحة المراجعات، لأن الانتخابات تمت فى غير وجود أمن الدولة، بل هناك اعترافات من قيادات الجماعة بأن تلك المراجعات تمت بعيدا عن الضغط وأنها كانت نتاج حوارات كثيرة.
لقد هزمت الجماعة عندما تبنت العنف ضد الدولة والمجتمع وانتصرت عندما أعلت قيم التسامح والحوار والتفهم وهذه هى النقطة المهمة.
ربما تكون التيارات السياسية المختلفة من يمين ويسار وليبراليين فى حاجة إلى مراجعات لأفكارها، حتى تتخلص من تأثيرات التسلط؟ فقد كان النظام السابق له تأثيراته، وترك آثار التسلط على التيارات السياسية والاجتماعية.
المراجعات لا تعنى التراجع لكن تعنى أن مصر الآن وهى تزدحم بالائتلافات والتنظيمات، التى خرجت بعد الثورة وكلها ترفع أهدافا واحدة، وتختلف فيما بينها حول الوسائل. كلها تتحدث عن دولة القانون والحرية والعدل القانونى والاجتماعى وأن يجد الناس فرص عمل وأمنا وقانونا يحكم الجميع وقضاء عادلا لا يفرق بين وزير وغفير.
كل هذه المطالب ترفعها كل التيارات تقريبا، لكنها مع هذا لا تنشغل بتحقيقها بنفس الحماس. ربما كان الأمر فى حاجة إلى مراجعات، تزيل آثر التسلط والجمود الذى لم يكن فى النظام وحده.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة