يشبه الأمر كثيرا لعبة البرلمان الصغير التى كانوا يضحكون بها علينا فى عصر الرئيس المخلوع مبارك، ويقدمونها على أنها قمة الاهتمام بالشباب وسبيل تطورهم للمشاركة السياسية الفعالة، بينما هى فى حقيقتها مجرد مسرحية رديئة السيناريو قام بالتمثيل والبطولة فيها مجموعة من الأطفال فشلوا فشلا ذريعا حينما انتقلوا من صفوف الهواة إلى ملعب الممثلين المحترفين.
الدعوة التى وجهها المجلس العسكرى لشباب ائتلافات الثورة بهدف الاجتماع فى مسرح الجلاء للحوار تشبه كثيرا ما كان يحدث فى ذلك البرلمان الصغير، لا تدع خبثك يقف بك عند دلالة عقد الاجتماع فى مسرح، وتجاوز تلك النقطة إلى ماهو أبعد، وتحديدا إلى تشابه المنطق التفكيرى للمسؤولين عن إدارة شؤون الفترة الانتقالية مع النظام الذى تم خلعه بالدم.
المجلس العسكرى حدد الزمان والمكان ونسى أن يحدد شكل ومعالم الحوار وهدفه، والشباب الفاعلين فى الحركات السياسية مثل 6 أبريل والأحزاب رفضوا الدعوة بناء على عبثيتها وضبابية تفاصيلها، وفى تقديرى أن من دعوا لهذا الحوار كانوا على يقين من أن شباب الحركات السياسية الجادة سيرفضون بينما سيقبل بها آخرون لا نعرفهم، وبالتالى يحصل الشباب صاحب التأثير الحقيقى على كتف ويخرج من الصورة ويبدو كمن فضل الصراخ فى الميدان عن الحوار المعروض على خشبة مسرح الجلاء.
أنا لا أعرف على وجه التحديد كيف يمكن أن يتم حوار جاد تتوفر فيه أركان حرية الرأى والديمقراطية بين أكثر من ألف شخص، ولا أعرف أيضا كيف يمكن أن يتم حوار حقيقى بناء على دعوة فجائية ظهرت فى ظروف غامضة وتم توجيهها للمجهول، فلا أحد يعرف من هم شباب الثورة الحقيقيون فى ظل الائتلافات التى يظهر لنا منها كل يوم واحد بشكل واستايل جديد، وكأنك تقف أمام فاترينة «التوحيد والنور» فى موسم الأوكازيون.
أزمة دعوة الحوار تمتد إلى كونها رد فعل وطريقة معالجة جديدة وخبيثة لفكرة الخوف من شباب الثورة ولسانهم الطويل، فالخوف من الرأى العام وشباب الثورة الآن تفوق على الخوف من مبارك ونظامه البوليسى، بدليل تلك التحولات الإعلامية التى تصيبك بحالة غثيان حينما تقرأ لكتاب كبار وهم يعتبرون أن كل ما تقوله ائتلافات الشباب وحى نزل به جبريل على عقولهم، أو تجد السادة مقدمى البرامج وهو يبررون بطء المجلس العسكرى فى خطواته برفع شعار سواقين الميكروباص.. «فى التأنى السلامة وفى العجلة الندامة»، نحن لا نريد من هؤلاء دعوة حوار ولا من أولئك قبول الدعوة صاغرين، بل نريد من المجلس أن ينشغل بمهمته بدراسة متطلبات الفترة الانتقالية وإدارتها بأمانة بدلا من الانشغال بفكرة السيطرة على الشباب والإعلام، ونريد من الشباب أن ينشغل بكيفية الإبقاء على قيم تلك الثورة بدلا من الانشغال بانتظار مكالمة تليفونية ولقاء مع أعضاء المجلس أو وزير من حكومة الدكتور شرف.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة