كما نرى الآن.. تتضح الصورة يوما بعد آخر. منذ اللحظة التى انصرف فيها ثوار ميدان التحرير، تفرق الجمع إلى تيارات وأحزاب، وفى الوقت الذى بدا فيه الثوريون الحقيقيون تائهين فى زحام التدافع والتطاحن، ركب الانتهازيون المشهد، ومن خلفهم الفلول الذين يمتلكون حاسة تشمم «رائحة السلطة».
الثوريون غالبا يحملون رؤى مثالية، لا يحسبون كثيرا حجم مكاسبهم أو خسارتهم، لم يحسبوها عندما خرجوا لإسقاط نظام ظالم، واختفوا من المشهد، أو غطى عليهم نوعان، الأول هؤلاء الذين جاءوا متأخرين أثناء انشغال الثوريين بثورتهم، وجدوا طريقهم لأماكن الكاميرات والميكروفونات، عينوا أنفسهم ثوريين، ولم يبق لهم إلا أن يمنحوا أنفسهم نياشين ورتبا تميزهم عن خلق الله.
هى ظاهرة ترتبط بالثورات، لكن الانتهازيين عادة ما يكونون محترفين، وتعرفهم لكونهم أعلى صوتا وأقل تسامحا، وأشد ميلا للفرقة، الانتهازى قادر على طرح أكثر الأفكار تطرفا، يخفى انتهازيته فى أكبر قدر من المزايدة على الآخرين حتى على نفسه، ليظهر فى صورة الثورى، مستندا لكون الأعلى صوتا هو الأكثر ثورية وانتماء للثورة.
أما الفلول فهى ليست فقط فلول النظام السابق والحزب الوطنى، فهؤلاء ظاهرون ومعروفون، لكن هناك من أعلن نفسه معارضا للنظام السابق لأنه لم يجد مكانا، ولم يدع إلى لجنة السياسات أو إلى حفلات التوريث الجماعى، وكان رفضهم للنظام أنهم لم يكونوا فى الصفوف الأولى.
أما النوع الآخر من الفلول فهم من يراهن على الحزب الحاكم أى حزب حاكم وتراهم يراهنون على التيار الذى يرونه صاعدا، وهم أيضا محترفون، ولديهم خبرات.
ومن الفلول أيضا من كان شريكا فى الفساد الاقتصادى والسياسى، فى النوادى وفريق جمال وعلاء وسوزان مبارك، وكانوا ضالعين فى مسلسلات الفساد. ومن أجل القفز على الثورة سارعوا بارتداء ثياب المزايدة على الثوار والمتاجرة بدماء الشهداء، صعدوا إلى المنصة أمسكوا بالميكروفون وعينوا أنفسهم متحدثين باسم الثورة، ومعهم من كانوا ضد فكرة الثورة سياسيا أو دينيا، واحتلوا الصفوف الأولى.
ووسط الانتهازى والفلول، تاه أبناء الثورة، ممن حلموا كثيرا بوطن مختلف، لا يبحثون عن أضواء الكاميرات، ولا ينتظرون نيشانا أو مكافأة. وعلى هؤلاء يقع عبء صناعة المستقبل، وعليهم ألا يشعروا باليأس، ويعلموا أن الثورات عادة ما تفرز انتهازيين يريدون ركوب الموجة، وأنقلهم إلى قول نيلسون مانديلا: «يجب أن نتحد معا من أجل أن نهزم أولئك الذين يواصلون القتال من أجل الحفاظ على النظام القديم، وأن نعمل من أجل أن نحول بلدنا إلى بلد مسالم ومزدهر لجميع أبنائه».. وعلى هؤلاء ألا يشعروا باليأس، ويعلموا أن التاريخ لا يتوقف عند الكاميرات، لكن له حساب آخر.