يبدو أن للنور سحرًا ما، يكشف ويفضح، وأحيانا ما يكون سببا فى تعديل مسار أو تغيير سلوك.. انظر إلى أغلب التيارات الدينية والسلفية منها على وجه التحديد، وتابع ما أصابها من تطور فى طريقة العرض وطريقة الاشتباك مع الآخر.
«خضة» الخروج من ظلام حكم مبارك القمعى إلى نور الأبواب التى فتحتها ثورة 25 يناير، يبدو أنها تتلاشى تدريجيا، ومعها يعيد أهل التيار السلفى اكتشاف الأفكار والتيارات الأخرى، وبعد أن كنا نسمع كلاما عن أن الليبرالية تعنى «تعرية الأم»، والبرادعى «رجل خمورجى»، والديمقراطية «رجس من عمل الشيطان»، بدأنا نسمع نفس الأصوات وهى تقدم اعتذارات على خلفية لقاءات ومؤتمرات جمعتها مع شخصيات ليبرالية وحزبية تختلف معها فى الفكر والرؤى.. ولكنها تتفق على مصلحة الوطن والأمة.
لاحظ أداء الشيخ محمد حسان وحالة التواصل التى خلقها مع رموز من التيارات الأخرى، أعلم جيدا أنها كانت تركب بيدها ريموت التليفزيون للهروب من برامجه، والشيخ نفسه كان مثل أغلب شيوخ السلفية، يفضلون البعد عن التجمعات السياسية والليبرالية، وبعضهم كان يراها تجمعات تصنع الفتن ولا تستحق سوى دعوات الهداية.. التطور تلحظه أيضا فى حالة التنسيق التى بدأت تظهر على حركة الدعوة السلفية، وتنظيم حركة الظهور التليفزيونى، والتدقيق فى التفرقة بين رجال الإعلام الساعين نحو الفرقعة والراغبين فى حوار جاد، بالإضافة إلى شباب التيار السلفى الذى بدأ يتخذ خطوات عملية نحو تحسين صورة السلفيين عبر برامج وصفحات خفيفة الظل على «الفيس بوك» و«يوتيوب»، وتقديم رسائل واضحة وعصرية ومتحضرة تقول للمجتمع إن السلفى ليس مجرد جلابية ولحية تركب الجمال وتعيش فى الخيام. هذه النماذج المتطورة وغيرها لا تنفى بالطبع التطرف الذى مازال يفيض على ألسنة بعض شيوخ الفضائيات الدينية ودعاة امتلاك صكوك الجنة والغفران، ولكنها تؤكد أن النور الذى تعيشه مصر الآن، والأرض التى أصبحت مفتوحة للجميع، قادرة على أن تعيد تعريف التيارات المتنافرة ببعضها، وقادرة على أن تجعل أهل السلف فى مصر يدركون أنه لا أحد يريد منهم عراكا حول الأفكار الدينية أو يريد لهم اختفاءً فى السجون كما حدث فى عصر مبارك، أو بقاءً سريًا تحت الأرض، لأنهم فصيل، انتماؤه لهذا المجتمع واضح ومحسوم ببطاقة الرقم القومى وشهادات الميلاد، ومن حقه أن ينزل إلى الحقل السياسى، ولكن طبقا لشروط وقوانين واضحة ومفهومة، ولذلك يبقى العهد الذى بين التيارات الأخرى وبين التيار السلفى الذى قرر أن يشارك فى اللعبة السياسية واضح التكوين والمعالم ويتكون من نقاط أربع هى:
-1 احترام الرأى الآخر ومبادئ الديمقراطية
-2 احترام الحريات الشخصية وما يكفله القانون والدستور من حقوق.
-3 احترام العقائد الدينية والمذاهب الأخرى.
-4 احترام مبدأ تداول السلطة وإعلاء شأن صندوق الانتخاب.
لا شىء آخر تريده مصر أو يريده العقلاء من التيار السلفى، أو أى تيار آخر سواء كان دينيا أو حتى عسكريا أكثر من هذه النقاط الأربع، التى تمثل حلما لا أعتقد أننا بعيدون عنه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة