كلنا نرى ونتفرج على محاكمات كبار الفاسدين فى عصر مبارك، ونكتشف يوميا كيف كان الفساد دولة أكبر من الدولة، وأقوى منها، لأنه كان يتم بمعرفة رجال الدولة، لكنا نريد انتهاء وقت الفرجة إلى وقت الحساب، والأهم هو القضاء على القواعد والقوانين والنظام الذى لايزال يسمح بعودة الفساد أقوى مما كان.
وإذا كانت التحقيقات والمحاكمات تثبت كيف كان الكسب غير المشروع هو الأساس، وأن القانون كان فى إجازة، مثلما كان الدستور والأخلاق، فلا يمكن تجاهل أن النظام القانونى والسياسى الذى كان يسمح لمبارك وعائلته وأعوانه بنهب المليارات لايزال قائما.
لقد كان ماجرى يتم ضمن أكبر عملية نهب لثروات مصر، وبصورة لم تحدث أيام الاستعمار، وهو ما تكشفه التحقيقات مع رئيسى مجلسى الشعب والشورى فتحى سرور، وصفوت الشريف، أو مع زكريا عزمى، وهم قيادات عصابات الفساد السياسى، ومعهم عصابات الفساد السياسى والاقتصادى، أشباه أحمد عز والمغربى وغيرهما، هؤلاء يمثلون الصف الأول من عصابات النهب، وباقى طاقم الفساد، وهو فساد معلن أو بعضه معلن، والآخر سوف تكشفه التحقيقات.
كل هؤلاء يمثلون قمة جبل الفساد، وخلفهم عشرات، وربما مئات من الفاسدين والمفسدين ممن تربحوا من النظام، وعاشوا حوله مثل الطفيليات، أو هؤلاء الذين كانوا شركاء فى قسمة الأسلاب من أراضى وأموال وفرص وحوافز الاستثمار.
وهؤلاء هم خلايا الفساد النائمة التى شاركت فى عملية النهب، وأيضا فى إخفاء المسروقات للكبار من الفاسدين، و يمثلون «خميرة» الفساد التى من الممكن أن تنشط فى أى وقت مع وجود الفرصة، وتبدأ فى تشكيل شبكات للفساد تعيد السيرة، وتجعل من الصعب إنهاء الفساد.
ومثل هؤلاء، فإن هناك فاسدين محترفين سارعوا بخلع ملابس النظام، وارتداء ملابس الثورة، ومن هؤلاء من كان ضالعا فى عملية الفساد، خاصة فريق سوزان مبارك التى كانت مؤسسة للفساد بدعوى الأعمال الخيرية، وكانت تحتكر الفساد الخيرى والاجتماعى، لكن بعض شركاء سوزان ارتدوا بسرعة ملابس الإخفاء، ووضعوا المكياج المناسب، وهم يمثلون خطرا واضحا على المستقبل، لأنهم محترفون يجيدون تقديم أنفسهم.
ومع هؤلاء طواقم الفساد فى النوادى الرياضية، والمؤسسات الخيرية والاجتماعية، ممن تاجروا بالفقراء.
الخلاصة أن محاسبة خلايا الفساد النائمة ضرورية لتنظيف الصديد، لكن الأهم هو إغلاق الأبواب التى كانت تسهّل نفاذ الفاسدين، وتغيير النظام لايعنى فقط تغيير وجوه، لكن إزالة القوانين التى كانت تفتح الباب لدخول وقفز المفسدين.
النظام سقط بوجوهه، لكنه لايزال قائما بالقوانين والقواعد التى تسمح لخمائر الفساد باستعادة نشاطها.. الفساد الكامن والنائم أخطر كثيرا من الفساد العلنى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة