الجدل الدائر اليوم بين القوى السياسية فى مصر يدور حول: الدستور أولاً أم الانتخابات؟ وكمراقب قلت: المفروض أن يتحدث المتجادلون عن الديمقراطية أولاً، ونعنى بذلك أن ينجح المصريون فى اختبار الديمقراطية، وأن يتمكنوا من تأسيس نظامهم السياسى ودستورهم بطريقة ديمقراطية.
والديموقراطية عندى تعنى أن يلتزم الجميع بما قاله أغلبية الشعب المصرى فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأن يلتزموا خطة الطريق التى تقول بأن يكون الانتخاب للبرلمان أولاً ثم الدستور ثانيًا، ثم انتخابات الرئاسة ثالثًا.
ومن الطبيعى أن يكون لكل قوة اجتماعية وسياسية حججها ومذهبها وطريقتها فى التأويل والفهم القانونى، وكلها تحمل قدرًا من الوجاهة والمنطق، بيد أن الالتزام بما أقره الشعب فى التعديلات الدستورية هو أولى خطوات مصر نحو تأسيس نظام ديمقراطى حقيقى.
أول قواعد الديمقراطية تقول إن الشعب هو مصدر السلطات، وإن الالتزام بنتائج ما ذهب إليه الشعب عبر الصناديق والقبول به هو جوهر العملية الديمقراطية، القبول بخيار الشعب واعتراف الأقلية أو الحزب أو الجماعة، أو القوة الاجتماعية والسياسية التى لم تحصل على تفويض الشعب لها بأن هناك فرصة جديدة لها من خلال العمل والتخطيط والتواصل مع الجماهير والناس؛ لإقناعهم بالتصويت لهم فى المرة القادمة.
إذن نحن فى مصر بعد الثورة لن نمارس الديمقراطية لمرة واحدة وإنما هى عملية مستمرة process ومن ثم فإن الغالب اليوم قد يكون هو المهزوم غدًا، الحياة السياسية واسعة، تسع المنتصر والمهزوم معًا.
وفى الواقع فإن الديمقراطية بمعنى تداول السلطة سلميّا من خلال عملية تنافس حقيقية بين القوى الاجتماعية والسياسية والأحزاب تعتمد على التوفيق والعقلانية والرشد والانتقال من التطرف والآراء المتشددة إلى منطقة الوسط، أو ما يعرف باسم التيار الرئيسى Main-stream، ومن ثم فإن الجهد الكبير الذى تبذله القوى السياسية والاجتماعية المصرية الآن حول قضايا هى بطبيعتها صراعية وسياسية، وربما تكون ذاتية، عليها أن توجه جهدها الحقيقى لتأسيس قواعد ديمقراطية حقيقية بحيث تكون الديمقراطية أولاً.
ولا يمكن للديمقراطية المصرية أن تنجح بدون أن يكون الإنسان المصرى هو هدفها ومبتغاها، ومن ثم فإن الإنسان هنا يجب أن يكون أولاً، وقد كان من أهداف ثورة 25 يناير الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
لا بد للتعذيب أن ينتهى فى مصر، ولا بد للمؤسسة الأمنية أن تغير ثقافتها بحيث تجعل الإنسان المصرى هو هدفها الرئيسى، ولابد لمن قاموا بالتعذيب أن يحاسبوا ولابد من خلق وعى جمعى فى الذاكرة المصرية حول التعذيب والسجون والإنسان الذى أذله النظام السابق ونظامه الأمنى بالاعتقال المتكرر وبالمحاكم الاستثنائية.
وبينما نجد مساحات واسعة من الجدل بين القوى السياسية والاجتماعية حول الدينى والمدنى، واليوم حول الدستور أولاً، فإننا لا نجد حديثًا عن الإنسان وعن حقوق الإنسان وعن منع جريمة التعذيب والضمانات التى تحول دون عودة القلعة ولاظوغلى وجابر بن حيان وأبو زعبل وطرة والعقرب ومقر مدينة نصر التى بثت الرعب والخوف والشعور باليأس والإحباط فى نفوس المصريين.
ونريد للمؤسسة الأمنية أن تثور ثقافتها فى التعامل مع الإنسان، فلا يقوم ضباط المباحث بتزوير وتلفيق المحاضر لعمل عدد أكبر من المحاضر، فيجعلوا الإنسان ومصيره مجرد شىء يتم التعامل معه بلا رحمة ولا مهنية ولا أخلاق.
نريد للسجون أن تتحرر من قبضة وزارة الداخلية لتكون تابعة لوزارة العدل، وأن تكون الرقابة عليها من قبل النائب العام، كما نريد لأقسام الشرطة والمراكز فى محافظات الدلتا وقراها وفى الصعيد ونجوعه أن تكون تحت إشراف دائم لمن يمثل النائب العام.
مصر الحديثة يجب أن تكون دولة للقانون، تحترم الدستورية، والكل خادم للشعب وللإنسان المصرى، فهو الغاية النهائية من السياسة، ومن هنا يتعزز الشعور بالولاء والانتماء وتتحقق النهضة والتنمية التى لا يحتكرها الأغنياء ويحرم منها الفقراء.
من أجل ذلك تأسست المبادرة الوطنية لتوثيق جرائم التعذيب فى عصر مبارك، ففى مصر الثورة لا مكان لمواطن يستمر فى السجن أكثر من ثلاثين عامًا كما حدث مع الشيخ نبيل المغربى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة