الموازنة هى بيان بالاستخدامات المتوقع صرفها خلال عام قادم، سواء كانت جارية (أجور ومستلزمات سلعية وخدمية)، أو استثمارية (المشروعات العملاقة مثل المترو والسكك الحديدية..)، وتحويلات مصادر تلك الاستخدامات، وفى غياب برلمان منتخب وبدون مشاركة الرأى العام، تم (فى الخفاء) إقرار الموازنة العامة للدولة 2011 - 2012 وسط أجواء ضبابية تؤكد أن يوسف بطرس غالى موجود بشكل أو بآخر، وأن الوزير الجديد سمير رضوان لم يعرف أن ثورة 25 يناير حدثت فى مصر، واستطاع أن «يلبس العمة» للناس.
بالطبع توجد شكوك فى تحصيل بعض الموارد، مثل سعر تصدير الغاز والمشروع الضريبى التصاعدى، وأيضًا فى ظل غياب الأمن لن تضمن تحصيل الموارد التى ذكرتها فى الموازنة، وكنت أظن أن أصعب موازنة فى تاريخ مصر ستغرى الصحافة المشغولة بالدستور أولاً، ولم يلتفت إلى ثغرات الموازنة الكثيرة سوى عدد قليل من الكتاب مثل أميمة كمال وعبدالله شحاتة خطاب وأسامة غيث.
لقد اعتقدت الحكومة أن تطبيق الحد الأدنى للأجور (700 جنيه) انتصار لها، فى حين أن المشكلة فى هيكلة الأجور، بحيث يصبح الأجر الأساسى هو الأساس للمرتب، فى حين تتضاءل نسبة الحوافز والبدلات التى هى أساس الفساد فى القطاع الحكومى، وكان يمكن الانتظار قليلاً حتى تتم الهيكلة التى يمكن أن تصل بالأجور إلى الحد الذى اتفق المجتمع عليه وهو 1200 جنيه، التزمت الحكومة ببنود وسياسات الموازنات السابقة دون اللجوء إلى حلول جذرية، مثل دخول الدولة كمستورد أساسى للسلع الأساسية (الزيت والسكر..) لكسر دائرة الاحتكار لعدد قليل من رجال مبارك، وبدلاً من البدء فى مشروع التأمين الصحى الشامل والاستجابة لمطالب الأطباء بزيادة الإنفاق إلى 10% تم تخفيض النسبة إلى 4،7%، وتم تخفيض الدعم على السلع التموينية من 23،6 فى موازنة العام الماضى إلى 18،9مليار هذا العام، وقامت الحكومة بزيادة الاستثمار 15 مليار جنيه دفعة واحدة، تذهب 10 مليارات منها لمشروع الإسكان القومى، على أن ينفذ خلال عام، ورغم أهمية المشروع القصوى، إلا أن تخصيص 10 مليارات دفعة واحدة لتنفيذ مشروع فى عام يبدو غير منطقى، لأنه من الأولى تطوير العشوائيات، وبمبلغ أقل، مع تنفيذ مشروع الإسكان على أكثر من عام، أو يمضى المشروعان معا، وتحت شعار تعويضات البطالة رصدت الموازنة مليارين، وهو مشروع عظيم لا شك، ولكن كيف يتم إنشاء مصرف قد يستمر طويلاً دون أن يكون هناك تيار مالى يقابله فنضطر للاقتراض الدائم له؟ وهل وظيفة وزارة المالية التشغيل وما هى وظيفة القوى العاملة إذن؟ (على حد تعبير د. عبدالله شحاتة فى الشروق)، إن وظيفة المالية هى إدارة المال العام، وهى فى حكومة تسيير أعمال ولا يحق لها إحداث تغييرات هيكلية فى النظام الضريبى، فهى مثلاً قامت بزيادة شريحة جديدة من 20 إلى 25% على الأرباح ما فوق 10 ملايين جنيه، لترسل إشارة خاطئة للمستثمر الأجنبى والمحلى تحت ضغوط تطالب بضريبة تصاعدية، هذه الزيادة تأتى بمليار جنيه فقط، والحديث عن أن رجال الأعمال وافقوا كلام فارغ، لأنهم يحصلون على 2,5 مليار دعم صادرات، فى حين نحصل منهم على مليار (مشكوك فى تحصيله)، لأنه فى ظل نظام الإقرار الضريبى والفحص بالعينة، سيلجأ من تزيد أرباحه عن 10 ملايين إلى التحايل المحاسبى، ومن ثم لن يدفع إلا الـ20% القديمة، لقد تم تجميد الضريبة العقارية لإعفاء أصحاب القصور والمنتجعات من أربعة مليارات، أما الموظفون فيدفعون ضرائب للموازنة مقدارها 15 ملياراً، بينما ضرائب أصحاب النشاط الصناعى والتجارى لن تزيد عن 5 مليارات، دعم الطاقة وصل إلى 99 ملياراً يستفيد منه 50 مصنعًا مملوكًا لرجال أعمال الحديد والأسمنت والأسمدة والسيراميك، الموازنة الرضوانية تحتاج كلاماً أكثر، لأن المتأمل لبنودها سيكتشف أن مصر فى حاجة إلى ثورة جديدة.