د. محمد شومان

أزمة ثورتنا ومقتلها!

الأحد، 26 يونيو 2011 05:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سقط نظام مبارك لأنه فشل فى إدارة الأزمات التى حاصرته، لأنها ببساطة كانت بسببه، ونتاجا تراكميا لتعثره، ومسلسل فشله الدائم فى الداخل والخارج، وإذا كانت الأزمة تأتى من حدوث خلل يصيب الافتراضات والقواعد الأساسية التى يقوم عليها أى نظام، فإن هذا ما حدث لنظام مبارك، ففى 25 يناير عجز نظام مبارك عن إصلاح الخلل الذى أصابه، وفشل فى تجديد القواعد التى يقوم عليها، وفى مقدمتها رضا وقبول أغلبية المواطنين على النظام والأسس والافتراضات التى يقوم عليها.
صحيح أن نظام مبارك تعرض منذ سنوات طويلة لموجات من النقد والرفض الشعبى، إلا أن حالة الرضا والقبول بقواعد وأسس نظامه استمرت من خلال استخدام القوة الخشنة - قمع الأجهزة الأمنية - أو القوة الناعمة من خلال شراء الولاء وأصوات الناخبين، وحملات الدعاية والتزييف الإعلامى، وكان نجاحه النسبى فى استخدام القوتين الناعمة والخشنة سبب استمراره لسنوات طويلة، وفى الوقت نفسه سبب عدم قدرته على تحقيق الإصلاح.
جاءت ثورة 25 يناير لتعلن تعثر الإصلاح من داخل أو خارج النظام، وفشل أدوات القوة الخشنة والناعمة فى فرض الإذعان والقبول العام بالنظام، بل إن هذه الأدوات انهارت فى نهاية 28 يناير، وبطريقة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث، فالأمن المركزى والشرطة تبخرا، والحزب الوطنى وإعلام الدولة أصيبا بالعجز، ومركز اتخاذ القرار أصيب بالشلل، وجاء انحياز الجيش للثورة بمثابة إعلان سريع وحاسم بموت نظام مبارك، وانهيار الأسس التى يقوم عليها.
كل هذا معروف، ولا خلاف كبيرا حول التحليل العام لمفهوم أزمة وانهيار نظام مبارك، لكن وبنفس منطق ومنهجية علم الأزمات، فلابد من الإقرار بأن أزمة الثورة المصرية الآن أننا نعيش بدون نظام له أسس وقواعد واضحة، أو فرضيات متفق عليها، وتحظى بقبول طوعى من أغلبية المواطنين، وبالتالى فإن حكومة الثورة – وهنا المفارقة – تستخدم قواعد وأسسا تنتمى لنظام مبارك. هذه هى أزمة ثورتنا ومقتلها، فالثورات عندما تحدث، وتسقط أنظمة تعيش لعدة أشهر أو أسابيع بدون نظام، حتى يتفق المواطنون أو يرضون عن قواعد وأسس لنظام جديد بديل عن النظام الذى أسقطوه. ويعلمنا التاريخ أن كل الثورات فى هذه المرحلة الانتقالية – اللاقواعد واللانظام – تعلن مبادئ عامة وعريضة تسير على هديها، وتمثل هذه المبادئ إطاراً عاماً للتفاعل والحوار من أجل الاتفاق على أسس وقواعد النظام الجديد، والفرضيات التى يقوم عليها.
ثورتنا ما تزال بدون هذه المبادئ العامة والملهمة، وبدون جدول زمنى متفق عليه لوضع قواعد النظام الجديد، والأسس التى يقوم عليها. من هنا فإن القوى المختلفة التى تآلفت واشتركت فى صنع الثورة تقدم قراءات ومبادئ محل خلاف لثورتنا، وبصراحة انتهت حالة الوفاق الوطنى العام أثناء استفتاء مارس الماضى على التعديلات الدستورية، وبرز على السطح استقطاب «إسلاموى – مدنى» يقدم قراءات متناقضة لأهداف ومعانى الثورة، فى الوقت نفسه فإن المجلس العسكرى الذى أمسك بالسلطة لم يعلن مبادئ للثورة وأهدافا عامة، وخيراً فعل.. فهذه ليست مهمته، بل مهمة الذين صنعوا الثورة، لكنه كان فى مقدوره، وما يزال، رعاية حوار وطنى جاد تشارك فيه كل فعاليات الوطن من أجل الاتفاق على مبادئ وأهداف الثورة، وبلورة خريطة طريق لعملية بناء نظام جديد، تتضمن التوافق على أسس وقواعد النظام الجديد، وتحل المشكلة الإجرائية التى تشغل النقاش العام فى مصر حول الدستور أولاً، أم الانتخابات.
والحوار المطلوب ليس مثل حوارات لجنتى حجازى أو الجمل اللتين ثبت فشلهما، بل حوار شامل تقوم على الدعوة إليه ورعايته لجنة أو هيئة مستقلة تُشكل من رموز المجتمع المدنى والشخصيات العامة غير المنتمية لنظام مبارك، على غرار الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة فى تونس. ومن واجب المجلس العسكرى أن يخول لهذه اللجنة صلاحيات وسلطات دائمة للإشراف على عملية التحول الديمقراطى، على أن تحل اللجنة نفسها بمجرد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة