أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد الدسوقى رشدى

حتى تعرف إن ثمن العفو «غالى»

الأحد، 26 يونيو 2011 08:13 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما لا يكون لك أى علاقة بالحدوتة المذكورة فى السطور القادمة، ولكنى تذكرت كل كلمة فيها، حينما وضعتنى الصدفة فى مواجهة مع الحاجة، ووضعت قبلتها القديمة فوق رأسى، لتذكرنى بالذى كان جميلا ومضى.. هل يمكن أن أستأذنك لتشاركنى فيه؟!

ننتهى من صلاة الجمعة، ويخرج كل منا من بابه المفضل، ونتجاوز ذلك الشبشب المتهالك، وتلك الجزمة الغلبانة المدفونة أسفل أخواتها، رغم أن صاحبها هو من حضر للمسجد مبكراً، وتتسلل نداءات الطماطم المجنونة، والمانجو الذى يقسم صاحب الصوت العالى أنه إسمعلاوى، وحبات العنب التى تنطق بأنها بناتى، كما يقول بائعها، لتسيطر كل هذه الصرخات على عقولنا التى حاول الخطيب جاهدا أن يخضعها، ولكنه يرفع راية فشله، غير مبال فى كل جمعة ننفض من عقولنا كلام الخطيب، لأننا على يقين أننا سنسمعه الجمعة المقبل، ونلقى بنداءات الباعة خلف ظهورنا، لأننا سنسمعها بما يستجد عليها من تطويرات الموسم القادم، وتعانق أقدامنا آثار خطواتها التى حفظت الطريق المعتاد إلى المقابر، يذهب كل منا إلى قبره، أقرأ الفاتحة لأبى، ويقرأها أحمد لوالدته، ويفعلها صديقنا الثالث أمام قبر عمه، ثم يجمعنا قبر واحد فى نفس التوقيت دون اتفاق مسبق، وأمام تلك اللوحة الحجرية التى تنطق بحداثتها وحيويتها بين اللوحات الأخرى التى تتحدث عن أزمنة كان الأبيض والأسود هو لغتها الرسمية، ترتكز عيوننا على ذلك السطر المكتوب باللون الأخضر، ليحكى عن فقيد الشباب، ونتذكر تلك اللحظة التى خرجت فيها صفوفا مدرستنا الإعدادية وفى طوابير منتظمة، تتصدرها أزهار مصنوعة على عجل، ولوحات تحملها عيون تبكى فى هدوء، وذلك المدرس صاحب أغلظ عصاية فى المدرسة يبكى، ومدير المدرسة بجلالة قدره يختلس من الطوابير السائرة فى هدوء لحظات.. ليزيل ما تراكم من دموع خلف نظارته الطبية السميكة، وتلك المدرسة الجميلة فتاة أحلام كل التلاميذ، وقد ازداد وجهها حلاوة من الحمرة التى يصنعها البكاء، تصل طليعة الصفوف إلى المقابر، وينهار نظامها، حينما يظهر المحمل الأخضر وبه جسد زميلهم الذى قتله تشخيص طبى خاطئ لطبيب غير مسؤول، حصل على شهادته من كلية غير مسؤولة، وغير مؤهلة، برعاية نظام غير مسؤول، كان لا تهتز له شعرة إذا ضاعت حياة مواطن أو ألف، نقف أمام القبر الذى ظلت زهوره تتجدد لعدة سنوات، ونتذكر «عبده» الذى أصبحت أدور حول منزلى مرة ونصف.. حتى لا ترانى الدموع المحبوسة فى عيون أمه، فتنطلق وهى تعانقنى أو تدعولى بحكم العادة الذى صنعتها الجيرة والعلاقات الأسرية، نقف أمام القبر ونرحل صامتين مع نظرات متباعدة، تسأل فى خجل، هل يرافق أحد «عبده» قريبا؟ ويأتينا الجواب فى فراق صنعته الدولة التى فشلت فى توفير مؤسسات، بعيدا عن العاصمة وفى لقمة العيش التى جرجرتنا بعيدا عن أهالينا، وتلك المناطق التى شهدت مولدنا وأيام حياتنا الأولى.. لماذا تذكرت كل هذه الأشياء؟ لا أعرف.. ربما لأننا اجتمعنا صدفة بعد غياب أمام نفس القبر، وربما لأننا لم نجد الزهور المعتادة أمام اللوحة التى مازالت كلمة «فقيد الشباب» تميزها، أو ربما لأننا عدنا لنضحك معا بنفس الطريقة العيالية فى نفس الطريق الذى كنا نلتقى به منذ 10 سنوات، دون أن ننسى ضحكة من جمعنا أمام قبره.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة