حالة من القلق والتململ تسيطر على الكثير من الناس فى الشارع المصرى بعد ثورة 25 يناير. فهناك خوف على الثورة من التآكل والثبات عند المربع الأول دون الوصول إلى تحقيق الأهداف الحقيقية التى قامت من أجلها الثورة من أجل التغيير والعدالة الاجتماعية، وتغيير نمط السلوك والأداء الاجتماعى، سواء فى الشارع أو فى كافة مؤسسات الدولة.
لقد حققت ثورة يناير خطوة أساسية نحو تحقيق هدفها الأول والأهم، وهو إزاحة رأس النظام الحاكم ورموزه، ولكن ليس هذا هو الهدف الأسمى ولو اكتفينا بهذا القدر من الثورة، فالتغيير المنشود لن يتحقق بشموليته على مستوى المجتمع ككل من القمة إلى القاع.
فهناك إحساس أن التغيير لم يصل بعدُ إلى باقى الفئات الاجتماعية وإلى باقى مؤسسات الدولة، وعلى سبيل المثال فإن حالة الفوضى العارمة والفلتان فى الشارع المصرى تشير إلى أن هناك فهماً خاطئاً لمفاهيم الحرية والمطالبة بالحقوق والفوضى، فمن يشاهد سلوك سائقى الميكروباصات والتاكسى حتى قائدى المركبات الخاصة فى ميادين وشوارع مصر، يشعر بحالة الضيق الشديدة من بعض هؤلاء الذين ظنوا أن الثورة معناها الفوضى فى ظل الغياب الأمنى عن الشارع، وكأن الثورة قامت من أجل أن يمارس هؤلاء مع البلطجية كل سلوكيات الفوضى.
التغيير المنشود للثورة لم يتحول بعد إلى منظومة شاملة اجتماعية واقتصادية، فإحداث التغيير الجذرى فى النظم والأوضاع القائمة نحو الأفضل لم يلمسه الناس بعد، فالنظام القديم الكئيب مازال قائماً فى السلطة التنفيذية المركزية، وفى المحافظات والمدن والقرى، وفى الحكومة والمحافظين والمجالس المحلية المزورة.
لا نريد القسوة فى الحكم على النتائج الآن، لكن الأحلام كثيرة وكبيرة, والبسطاء من الناس تخيلوا أنه فى فترة وجيزة ستتفتح عيونهم على مصر الجديدة الآمنة النظيفة المنضبطة، لكن هذه الأحلام لا ينبغى أن تبقى مجرد أحلام ومطالب.
فالأهداف والأحلام عليها أن تتحول إلى عملية ثورية منظمة، إلى تشريعات وقوانين جديدة، إلى تعددية سياسية حزبية ونقابية حقيقية، إلى حوار مجتمعى حقيقى، إلى برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة، إلى توجهات إعلامية وثقافية جديدة، إلى مناهج تربوية وتعليمية وبحثية وبرامج إعلامية جديدة، تكون قادرة على استكمال هدم النظام القديم وأفكاره وقيمه، وتحول الأحلام التى أطلقتها ثورة 25 يناير إلى حقائق جديدة فى مجتمع ثورى جديد.