لا أفهم وأتمنى أن يفسر لى من يفهم ما الذى يحدث فى ميدان التحرير منذ مساء أمس وحتى هذه اللحظات، التى أكتب فيها غاضبا مشحونا بالمرارة والألم والحسرة على ما يجرى للبلد وفيها وما يراد لها.
أعرف أن الحكومة الحالية ضعيفة مترددة وقبضتها مرتخية،لأسباب عديدة بعضها يعود إلى تشكيلتها المرتبكة وسطوة الحكومات السابقة التى كانت تعمل كطاقم سكرتارية للرئيس، وبعضها يعود إلى طبيعة المرحلة الانتقالية الحالية، ومواءمات المجلس العسسكرى صاحب القرار الأخير فى نهاية الأمر.
أعرف أن وزير الداخلية لم يثبت أنه رجل المرحلة الحرجة التى نعيشها، فلم يستطع أن يستعيد القوة الأمنية الضاربة لأجهزة الشرطة حتى بات البلطجية واللصوص مطلقى اليد على الطرق السريعة، وفى المناطق المكتظة على السواء، كما لم يستطع استيعاب الاحتجاجات المتزايدة للعديد من القطاعات فى وزارته أو تغيير عقيدة رجال الشرطة، حتى بات الكسل والتواكل والبيروقراطية هى الأدوات البديلة للسحل والترويع والاستهانة بآدمية المواطن.
أعرف أن جبهتنا الداخلية ينقصها الكثير من التماسك، وأن الرغبات الفردية والمصالح الفردية والأهواء الفردية تتنازعنا فى كثير من الأحيان، وأن كلأ منا يعتقد أنه على صواب وصاحب حق ولا يقبل معارضة أو اختلاف أو مشاركة، وأن الكلام عن توافقات بهدف المصلحة العامة على حساب المصالح الشخصية أمنيات بعيدة المنال، ربما لسنوات طويلة من المنع والكبت والإقصاء.
وأعرف أيضا لماذا خرجنا جميعا شيوخا وشبابا ونساء وأطفالا على اختلاف توجهاتنا السياسية فى 25 يناير وما بعده، كان لدينا حلم الإطاحة بنظام فاسد مفسد، وكنا على استعداد لدفع أى ثمن يتطلبه تحقيق هذا الحلم، كما كان الأمل فى إصلاح الأحوال يملؤنا ويدفعنا إلى توقع الأفضل فور إتمام المهمة وإسقاط نظام مبارك.
لكن ما لا أعرفه ولا أفهمه ولا أقبله أن تخرج مجموعات فى ميدان التحرير تفتعل المشاجرات وترشق رجال الشرطة بالحجارة، وتتلف الممتلكات العامة والمطالح الحكومية، وتصنع حالة من الارتباك والفوضى، بدون هدف أو مطالب، تحت يافطة استكمال الثورة، أى ثورة تلك التى يتحدثون عنها؟ ثورة يناير العظيمة التى بدأت واكتملت بشعارها المميز "سلمية .. سلمية"، أم أن هناك ثورة أخرى لا نعرفها اللهم إلا إذا كانوا يقصدون "موقعة الجمل"؟
ما لا أعرفه ولا أفهمه أن يعتمد عدد من الزملاء الإعلاميين والصحفيين فى برامج التوك شو وفى بعض الصحف الحكومية والمستقلة مبدأ المزايدة وتصوير أى شغب فى التحرير على أنه ملحقات لثورة يناير العظيمة، وكأنهم ينفون شيئا أو يحاولون الانتساب إلى الثورة وهم ليسوا من أهلها، توهما أن مسوغات المرحلة تقتضى من الإعلامى أن يكون ثورجيا على روحه، مزايدا شاطرا فى العلن ومقايضا بياعا فى الكواليس، غافلين عن أن هذا السلوك لا ينتج إلا شغبا وبلطجة فى ميدان التحرير.
ما لا أقبله أن يزايد أحد بادعاء الثورة بأثر رجعى أو يظن أن النزول لميدان التحرير يمنحه حصانة ويخوله خرق القانون والاعتداء على الآخرين، آن الأوان أن نسمى الأشياء بأسمائها، ما يحدث فى ميدان التحرير بلطجة وتجاوز يعاقب عليهما القانون وأى تهاون تجاه ما يحدث يتحمل نتيجته جميع المسئولين أمام الله أولا وأمام الشعب المصرى الذكى الذى يستطيع التمييز بسهولة بين من يحارب من أجله ومن يحاربه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة