د. نعمان جلال

الإسلام والبعد العقلانى للثورة ( 1/2 )

الخميس، 30 يونيو 2011 10:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الثورة عادة هى أداة من أدوات أحداث التغيير فى المجتمع، وتتسم الثورات بأنها مفاجأة، وإن كان لها إرهاصات وشواهد تسبق الانفجار الثورى، وهى جماهيرية، وإن قادتها نخبة من النشطين السياسيين أو الإيديولوجيين، وهى تدعو للتغيير الجذرى لمصلحة المجتمع نحو الأفضل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، وتواجه الثورة عادة مقاومة ضخمة من القوى المناهضة لها سعيا للحفاظ على الوضع الراهن وحفاظا على مصالحها، لذا نجد أن بعض الثورات إن لم تكن جميعها تواجه نكسات أو ثورات مضادة، وكثير من الثورات لا تحقق أهدافها فى المدى القريب، رغم أنها فى المدى البعيد تحدث تغييراً جذرياً فى حركة المجتمع.

وتعانى كثير من الثورات من ثلاث نواقص: نقص البعد الاستراتيجى المستقبلى، بمعنى أن الثورة باعتبارها حركة جماهيرية تدعو للتغيير الشامل تقع فى مأزق الزهو والغرور، خاصة إذا واجهت نظماً ضعيفة، وانهارت تلك النظم بسرعة، ومن ثم تتصور الحركة الثورية أن عملها أمراً سهلاً، وإن تغيير المجتمع مسألة بسيطة، وهنا يظهر النقص الأول وهو النظرة المستقبلية لتطور المجتمع، لذلك حذر الإسلام من الغرور، وهناك العشرات من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تنبه لهذا الموقف وتستعيذ بالله من الغرور.

النقص الثانى فى الحركة الثورية هو نقص الإيديولوجية أو العقيدة السياسية، ومن ثم يدعو الإسلام لبلورة الرؤية أو الفلسفة الأساسية لأية ثورة، ومن هنا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ركزت على رفض عبادة الأصنام وتوحيد الله كما ركزت على القيم والمبادئ والسلوكيات للفرد والمجتمع، وكذلك التحذير من الرياء والنفاق والكذب والخداع والغش والسرقة ونحو ذلك من القيم الأساسية لبناء المجتمعات على أساس من القيم الإنسانية العامة التى تنطبق على جميع البشر، أكثر من تركيزه على الشعائر والعبادات التى لكل أمة شرعة ومنهاجا، كما قال القرءان الكريم لقد ركز على التسامح الدينى بقوله لكم دينكم ولى دين، كما ركز على حرمة الناس والوطن أى البلد، لدرجة أن الله سبحانه وتعالى أقسم بذلك: { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد} الآيات 1-3 من سورة البلد.

البعد الثالث الذى يمثل نقصاً فى العمل الثورى هو البعد القيادى. وهنا نجد عظمة الإسلام، فقد حرص على بناء الكوادر البشرية لكى تكون كالنجوم الزاهرة ويتجلى ذلك فى حديث النبى الكريم "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، هذا التسامح والاعتدال الإسلامى لا مثيل له فى تاريخ الثورات التى عرفتها البشرية.

وبما أن الثورة هى تغيير جذرى فى المجتمع، هذا التغيير يعتمد على خطوتين رئيسيتين هما: تدمير القديم وإنشاء الجديد، الخطوة الأولى سهلة مثل نزول السلم أو الوقوع من سفح جبل، بينما الخطوة الثانية صعبة مثل صعود السلم أو تسلق الجبل، وهنا ننظر للبعد الاستراتيجى للثورة، وهو ضرورة بناء مؤسسات على أسس راسخة، وعدم تغييرها لمصلحة الفرد أو طبقة، والضرورة الثانية المتصلة بفهم تطور المجتمع، هو أن المجتمع سيظل تسوده الطبقات المتحركة، وليس الجمود الطبقى، أى مفهوم الحركية الاجتماعية، ويصبح الانتقال من طبقة لأخرى نتيجة المعرفة والمهارة والتعليم، وليس نتيجة النفاق والمداهنة أو الانتماء الأسرى أو إلى شلة أو جماعة أو طائفة، ولهذا أكد النبى الكريم المساواة التامة بين كافة المسلمين بقوله المسلم أخو المسلم، وقوله لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى إلا بالتقوى، والضرورة الثالثة لنجاح أية ثورة، هى تحولها إلى قوة مجتمعية، بمعنى رفعها شعارات، وتنفيذ ذلك لمصلحة كل فئة من فئات المجتمع، أما إذا تحولت الثورة إلى مفهوم الطبقة فقط أو الدين فقط أو الطائفة فقط، فإنها تؤدى إلى الصراع الطبقى أو الطائفى أو الدينى، وتفقد كونها حركة مجتمعية، ولهذا فمن المؤلم أن يتحول الدين أو القيم أو أن يتم تفسيرها لمصلحة فريق دون آخر، فعلى سبيل المثال حدث التدهور فى المجتمع الباكستانى فى عهد الرئيس الأسبق ضياء الحق عندما اندفع لما أطلق عليه أسلمة المجتمع وقوانينه، والحقيقة أن ذلك كان أول بذرة من بذور الانحدار فى المجتمع الباكستانى، وهذا ما حدث فى دول عربية وإسلامية أخرى فى الشرق الأوسط.

النموذج المصرى فى ثورة 25 يناير، أكثر نقاء، وأكثر شفافية، وأكثر اتساعاً فى ضم فئات المجتمع بأسرها، ولقد لفت النظر مدى عمق فكر الشباب، ورحابة صدورهم فى ميدان التحرير، عندما اجتمع الهلال والصليب معاً، وهما أبناء المجتمع، وقام المسلمون بالصلاة، وحافظ المسيحيون على النظام أثناء ذلك، وتبادل الطرفان الأدوار، فقام المسيحيون بأداء قداس يوم الأحد، وحافظ المسلمون على النظام، ولم يثر أى من الطرفين اختلافاته الدينية، ونظرته للآخر، لأن شباب الإنترنت يختلفون عن بعض علماء الدين الذين يجترون الكتب القديمة، ويعيشون فى الماضى، وليس المستقبل، ويكررون المفاهيم اللاهوتية بالخلاف بدلاً من المفاهيم القائمة على المواطنة، وحسناً فعل المسلمون والمسيحيون بعدم الرجوع لبعض المرجعيات التقليدية فى الأزهر أو الكنيسة، نتيجة سيطرة التفسيرات الدينية الملوثة بالسياسة فى عصرنا الحاضر، ورغم أن أسوأ مشهد كان عندما سعى أحد رجال الدين لاختطاف الثورة من ميدان التحرير، وبعد قليل من الصبر بعد صلاة الجمعة، وصلاة الغائب، وصلاة الجنازة، سئم المتظاهرون من هذه الأساليب التى تؤدى لبث الفرقة، فهذه كلها صلوات ليس مكانها موقع سياسى، وإنما مكان دينى مثل المسجد، لأن مؤدى ذلك عزل المسيحيين، فصاح أحد المتظاهرين تحيا مصر، وتردد الهتاف فى جنبات ميدان التحرير، وتم تجاهل محاولة اختطاف الثورة، بل وإحباط ذلك، فرجال الدين مع حبنا وتقديرنا لهم، مهمتهم هى الدين وليس السياسة، والمجتمع المصرى ليس مجتمعاً كهنوتياً، ومرجعيته الوطنية لها الأولوية على مرجعياته الدينية، فالدين لله والوطن للجميع، وعندما يستلم السياسى أو الثائر فكره من رجل الدين، فإن الكارثة سوف تحل على الجميع.

* باحث فى الدراسات الاستراتيجية








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة