قبل شهرين أخذنى الصديق الكبير الدكتور حسنين كشك على جنب، لكى يبشرنى بإنشاء حزب اشتراكى جديد، وطالبنى بالانضمام إليه بعد أن عدد لى الشخصيات التى تعمل على تأسيسه، وهى شخصيات نقية أعرف معظمها، ومستعد للمشى خلفها وأنا مطمئن إلى أى مكان، فرحت بالطبع، ولكنى رفضت، لأننى كشاعر وكاتب أفضل ألا أكون عضوا فى أى حزب، ولكنى وعدته بأننى سأكون قريبا وتحت أمر الأحزاب الاشتراكية الثلاثة التى تتشكل حاليا.
خلال الشهرين الماضيين شعرت أن الثورة المصرية التى لم ترفع شعارا دينيا طوال أيامها يتم السطو عليها، وأن رجال الدين حلوا محل السياسيين، يقاتلون من أجل فرض شروطهم على القائمين على إدارة شؤون البلاد والشارع معا، وشعرت أيضا مع كثيرين ممن كانوا ينتظرون «بشاير» فاكهة الثورة فى الأسواق بخيبة أمل، لأنه لا أحد يتحدث عن المستقبل الذى يسع الجميع، وكنت أنتظر «أغنية» جامعة يرددها الناس، تؤكد أننا معا وأننا انتصرنا بالفعل، شعرت أن القوى الديمقراطية التى مهدت للثورة وشاركت فيها، مثل الرقيب روجيه الذى ارتجل نشيد المارسييز الذى جعل الثورة الفرنسية فى 1792 تتفق على نغمة واحدة، مؤلف «إلى السلاح أيها المواطنون» الذى سيق معتقلا لأنه كان مشبوها بخيانة الوطن، لأنه اختلف مع السيدة «مقصلة»، وهى الأيديولوجيا الأشد حدة ورهافة من الثورة (على حد تعبير إدواردو جليانو)، وعندما خرج من السجن مطاردا، وحين يقول إنه هو أبو نشيد الثورة، يضحك الناس منه فى وجهه.
فى الشهرين الأخيرين ازدهرت الفتن وبرامج التوك شو والفوضى، الإعلام مع «الرائجة»، وحل رجال الدين والصحفيون محل الثورة والجمهور والوطن، وتم وضع رموز شباب الثورة الأنقياء فى قفص مضىء، وضخ رجال أعمال النظام السابق وجوها إضافية فى الفضاء وعلى الأرض لكى لا يتغير المشهد، ودخل رأس المال الغامض فى صناعة حياة حزبية تليفزيونية واعدة، ولم يتحدث أحد بإخلاص عن الفلاح والعامل والتلميذ والصحة والاستقلال الوطنى، لم يتحدث أحد عن مصائر الذين داس عليهم قطار الخصخصة، الذى قام على بيع الأصول الإنتاجية (مصانع القطاع العام)، ثم تلا ذلك خصخصة الخدمات المالية ببيع نصيب القطاع العام فى البنوك المشتركة وبيع بنك الإسكندرية أحد البنوك الوطنية الأربعة والشروع فى بيع الثانى، ثم خصخصة الخدمات الاجتماعية (الطرق ومرافق الكهرباء والمياه) من خلال تحويل هيئاتها إلى شركات قابضة وإدارتها على أسس ربحية، وأيضا الشروع فى خصخصة خدمات التعليم بشقيه الجامعى وما قبل الجامعى.
قبل يومين قرأت رؤية الحزب الاشتراكى المصرى، والتى وقع عليها أكثر من 100 شخصية محترمة، يعبرون بصدق عن روح الوطنية المصرية، ومن الذين لم يتورطوا فى تضليل الناس ودفعوا ثمن مواقفهم الناصعة، مثل أحمد بهاء الدين شعبان ود. سمير أمين ومنير عياد وبشير صقر وشكرى عازر وإلهامى المرغنى ومحمد هشام ومجدى أحمد على وخالد الصاوى وجمال فهمى وأحمد صبرى أبوالفتوح وغيرهم، شعرت أننى أمام حزب غنى، رغم الفقر المادى الذى يتهدده، ولأن القائمين عليه لن يقبلوا بالأموال «الغامضة» التى تهطل على العمل العام من الداخل والخارج، هو حزب يرى أن الاشتراكية ليست وصفة جاهزة، بل هى ناتج صراع الطبقة العاملة وقدرتها على إبداع إجابات سليمة على التحديات التى نعيشها، ولا يعنى تأميم رؤوس الأموال لصالح ملكية الدولة وإحلال نمط من التخطيط المركزى محل آليات السوق الرأسمالية، هو يفترض نقل إدارة الاقتصاد من أيدى موظفى الدولة بصفتهم ممثلين للشعب إلى الشعب نفسه، هو حزب ينادى بفصل الدين عن الدولة حتى لا يلحق الضرر بالاثنين، ويرى أن الديمقراطية غاية ووسيلة فى آن واحد، ومع حرية التفكير والبحث العلمى والإبداع، ولا يدعى انفراده بتمثيل طليعة الشعب، سعدت كثيرا بما قرأت، وكنت أتمنى مثل كثيرين أن يندمج حزب التحالف الشعبى بقيادة الأستاذ عبدالغفار شكر وحزب العمال الاشتراكى بقيادة كمال خليل مع الاشتراكى المصرى، لأن الطموح واحد، ولكى أعيد النظر فى دعوة حسنين كشك التى وجهها لى قبل شهرين.