حذرنا مرارا وحذر غيرنا من تحول أعراض الثورة إلى وسيلة للاستعراض أو الابتزاز أو الهروب أو حتى البلطجة، وقلنا إن هذا التحول المرضى هو أكبر خطر على الثورة ومكتسباتها لأنه يختزل الإنجاز العظيم الذى تحقق فى 25 يناير وما بعدها، إلى سوق يختلط فيها الباعة مع الهتيفة ويدوسون فيه روح الثورة بالأقدام.
يكفى أن يخرج بضعة عشرات من المواطنين أيا كانت أهدافهم، ليرفعوا أعلام مصر وليرددوا الهتافات فى ميدان التحرير، ثم يعلنون من أنفسهم ائتلاف أو تجمع شباب الثورة أو ما شاءوا من أسماء، وقل لى من يستطيع أن يواجههم إذا ارتكبوا أى مخالفات قانونية؟ ومن يمتلك توجيههم وتصحيح مسارهم ليقوموا فعلا بما ينفع الناس؟
الجمعة الماضية، نزل مئات الشباب ميدان التحرير، بناء على دعوة للتظاهر تحت عنوان "جمعة العمل"، ومبدئيا لا أعرف كيف تتحول الدعوة للعمل إلى مجرد مظاهرة استعراضية بالأعلام، المهم، تجمع المئات فى ميدان التحرير استجابة للدعوة مع عربات الكبدة والسمين والترمس والشاى، وعند مرور مراسلة لإحدى القنوات الفضائية، تحولت الدعوة لدى البعض إلى مناسبة للتحرش وهاجموا المراسلة بالفعل فى وضح النهار، ولم ينقذها من أيديهم إلا ضابط صغير برتبة ملازم، أوقف لها تاكسيا ومنحها الفرصة للنجاة، فماذا كانت النتيجة؟
المنطق والعقل يقولان إن نتيجة الموقف هى القبض على المتحرشين وتحرير المحاضر لهم تمهيدا لعرضهم على النيابة لاستكمال إجراءات التحقيق، لكن المخرج كان له رأى آخر، كيف ينقذ الضابط الصغير "المزة" من أيدى المتحرشين، عهد الشرطة راح وانتهى، وبالفعل غضب المتحرشون وانهالوا بالضرب والسحل على الضابط الذى قام بواجبه، ولم ينقذه من أيديهم إلا بعض الشرفاء الذين سارعوا بنقله إلى المستشفى مصابا وغائبا عن الوعى.
على بعد خطوات قليلة من فيلم الرعب هذا، كنا على موعد مع فيلم رعب آخر، بطلاه مأمور قسم الأزبكية وسائق ميكروباص واقف فى نهر الطريق يحمل بعشوائية، وماله لا حكومة تهم، ولا سجن يلم ما احنا الحكومة، لكن المأمور غلط وأراد تنفيذ القانون، كفاية تسيب ومهانة واتهامات بالتكاسل، القانون لازم يطبق على الجميع، إزاى انت واقف فى عرض الطريق وتعطل المرور وتحمل الركاب خارج الموقف، رخصك لو سمحت.. لأ، ملكش عندى رخص ولو زودت مش هيحصلك كويس، هكذا أجاب السائق الهمام، والمأمور نقحت عليه كرامته وواجبه، وأصر أن يطبق القانون بحذافيره، والله ما أنا سايبك وآدى محضر إشغال طريق وآدى محضر تانى بالتعدى على ضابط أثناء تأدية عمله وآدى تالت تحميل بره الموقف.. بس بس نت فاكر نفسك إيه وخد يوجعك.
مين ضرب مين؟ السائق نزل من ميكروباصه لا ليقدم أوراقه للمأمور لكن ليصفعه على وجهه ويهين كرامته ويمسح به الأرض، ولم ينقذ الـمأمور إلا المارة الذين رفضوا من منطق الرحمة، أن يهان الموظف الميرى بهذه الطريقة، وانهالوا بدورهم ضربا على السائق، الذى تم نقله للمستشفى ليلفظ أنفاسه هناك، ويعلن أحد السائقين الخبر مع اتهامه لضباط قسم الأزبكية، ومعه كلمه هجوم بالحجارة وزجاجات المولوتوف على القسم، والهدف رأس المأمور والضباط وإحراق القسم بمن فيه!
أخشى ما أخشاه أن تتحول الثورة التى شارك فيها كل طوائف الشعب المصرى إلى حركات أفندية القاهرة والإسكندرية المتعلمين، وأن تحتل عربات الباعة الجائلين ميدان التحرير وساحة القائد إبراهيم، أخشى ما أخشاه أن تصح المقولة الخاطئة لبعض الرجعيين أن الشعب المصرى لا يستطيع التعامل مع الشرطة إلا قاهرا أو مقهورا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة