وقف المحقق أمام المتهم بقتل فرج فودة وقال له: لماذا اغتلت فرج فودة؟ فقال المتهم: لأنه كافر، فسأله: ومن أى من كتبه عرفت أنه كافر؟ فرد: أنا لم أقرأ كتبه، فسأله كيف؟ فرد: أنا لا أقرأ ولا أكتب.
قتل الجهل فرج فودة أمام مكتبه فى 8 يونيو 1992، والآن وبعد تسعة عشر عاما من مقتله، لم يعتذر أصحاب فتاوى قتله، والمحرضون عليه لروحه عن خطئهم، قامت مراجعات، وانتشرت تصريحات، لكن غاب فرج فودة عن المشهد وكأن شيئا لم يكن، فهل يستجيب من أعلنوا مراجعاتهم واقتربوا مما كان يدعو إليه فودة إلى إعلان توبتهم عن مقتله قبل أن تأتى ذكرى وفاته العشرين؟
لن يعيد الاعتذار روحه التى زهقت، إلى جسده الذى بلى، ولن يساهم بأى حال من الأحوال فى أن يعود الزمان إلى الوراء قبل تسعة عشر عاما، أى قبل ليلة مقتل المفكر التنويرى فرج فودة، لكن لا شك فى أن اعتذار كهذا قد يساهم فى استعادة بعض من بهاء صورة الراحل وإجلائها عما لحق بها من تشويه من جانب أصحاب الآراء المتطرفة التى أدت إلى قتله، وفى أن يرد بعض من كرامة المثقف الكبير التى أهينت على المنابر وفى الزوايا والمجالس والكتب.
تسعة عشر عاما مرت على رحيل فرج فودة، وها هى الأيام قد تغيرت والأنظمة الحاكمة قد سقطت وخرج إلى النور من أدخل فرج فودة إلى الجحيم، أخرجت ثورة مصر "المدنية" قيادات وأعضاء الجماعات الإسلامية من معتقلاتهم، وذابت روح التطرف الحادة القاتلة، عن المتطرفين الإسلاميين، وهو ما يشبه الرجوع إلى فرج فودة والإيمان ببعض ما نادى به، وكل يجعل الاعتذار لروح الفقيد وأهله واجب وضرورة.
ماذا لو بعث الشيخ عمر عبد الرحمن، صاحب فتوى قتل "فودة"، من محبسه فى أمريكا برسالتين: الأولى موجهة للرأى العام يعتذر للمجتمع فيها عن فتواه الدموية؟ والثانية لأهل فرج فودة وتلامذته يعزيهم فى مصابهم ويعترف فيها بخطئه فى حقهم وفى حق الإسلام والمسلمين والفكر والثقافة؟ إن رسالة كهذه جديرة بأن تعيد ثقة العالم المدنى فى أصحاب التوجهات الإسلامية، كما أنها قد تساهم فى الإفراج عن الشيخ الذى تتضافر جهود المجتمع المدنى الآن للضغط على أمريكا للإفراج عنه مراعاة لظروفه الصحية، ما الذى سيحدث لو وقف عبود الزمر وناجح إبراهيم وطارق الزمر ليعلنوا على الملأ أنهم كانوا مخطئون وأن خطأهم أدى إلى إزهاق روح إنسان كان من الممكن أن يجلسوا بجواره فى إحدى الندوات الآن ليقارعوه الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان.
مخطئ من يظن أن المثقفين يريدون أن تستمر معاركهم مع تيارات التعصب الدينى، وأغلب الجماعات الثقافية والليبرالية ترفع الآن شعارًا كبيرًا هو "العهد الذى بيننا وبينهم هو الدولة المدنية" وها هى الجماعات الإسلامية المتشددة قد نبذت العنف "نظريا" وعلى صفحات الجرائد، وفى المراجعات الفقهية، والدعوة للاعتذار العلنى عن قتل فرج فودة هو الذى سيطوى صفحة الدماء إلى الأبد، لتكون لتتحول ذكرى وفاة فرج فودة من مؤرق دائم بشبح العنف المكتوم إلى دعوة للمحبة والمصارحة والتعايش السلمى.. فهل من مجيب؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة