فى التحرير هناك حيوية وحركة، ومطالب واضحة ومحددة، وخارج التحرير تبدو الأمور ملتبسة. ومنذ أسابيع لا نعرف عددها ونحن نسمع ونتابع أخبار مؤتمر الوفاق الوطنى، وهو مؤتمر يدور على أرض مصر ويتحدث فى السياسة، ويرأسه الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء، ينعقد يوميا، ويخرج بعدد من التوصيات حول الدستور والقوانين وشكل الدولة والرئاسة إلى آخر القضايا المطروحة للنقاش العام، ومع هذا فإنه لم يتجاوز حتى الآن فكرة «المكلمة»، فضلا عن أن الحضور فيه ليسوا مثلا من تيارات مختلفة تحتاج إلى الوفاق، ثم إنه يبدو بعيدا جدا عن الشارع وما يجرى فيه، لأنه ينعقد وينفض يوميا ولا يتجاوز حالة الكلام وإطلاق التوصيات، التى لا نعرف لمن وإلى أين تتوجه، ولا نعرف «الوفاق بيشتغل إيه».
التوصيات والمناقشات لا تختلف كثيرا عما هو دائر فى الفضائيات والتوك شو، ويبدو أن البرامج توقفت عن متابعة أعمال المؤتمر، لأنها لم تجد فيه جديدا عن باقى المكلمات، من ندوات ومؤتمرات تزدحم بها الفنادق.
والأهم أن أحدا لا يعرف علاقة مؤتمر الوفاق بما يدور فى التحرير، أو ما يجرى فى ميادين التحرير بالإسكندرية والسويس والمحلة، والتى تطرح الكثير من قضايا تشغل الناس فى الشارع، وربما كان يمكن للوفاق أن يفيد فى معرفة هذه الميادين، لو خصص لنفسه فرصة لأن يتعرف على ما يجرى من حوله. لكنه ناقش كل القضايا الداخلية والخارجية من الدستور للرئاسة ومن الانتخابات إلى المظاهرات، وصولا إلى الغاز والأمن والأجهزة الرقابية، وانتهت لجانه إلى توصيات تعلنها بشكل يومى دون أن نعرف الجهة التى تذهب إليها هذه التوصيات، أم أن المؤتمر مجرد مكلمة من بين مكلمات كثيرة انتشرت فى إماكن مختلفة بلا هدف واضح أكثر من الكلام.
ومن مثيرات الدهشة أيضا أن مؤتمرا آخر أعلنت عنه الحكومة قبل أسابيع هو مؤتمر الحوار الوطنى برئاسة الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس الوزراء الأسبق والذى شهدت جلسته الافتتاحية جدلا بسبب حضور أعضاء الحزب الوطنى، رفض الحاضرون وجودهم ثم اختفى المؤتمر فى ظروف غامضة دون أن نسمع عنه شيئا.
لم تعلن الحكومة عن مصيره، وما إذا كان اختفى أو مات بالسكتة «المؤتمرية».
وكما نرى فهذه المؤتمرات بمناقشاتها وتوصياتها فى واد والناس فى واد آخر، مع أنها محسوبة على الحكومة، ولا نعرف لماذا لا تفكر الحكومة فى طريقة مفيدة تتعرف بها على آراء الناس حتى يمكنها أن تعبر عنها، بدلا من إضافة مزيد من المكلمات إلى حفلات الكلام التى لا تنتهى، ولو كانت الحكومة فعلت شيئا مفيدا، ربما كان يمكن لها أن تكون أقرب للشارع وأكثر تفهما لمطالبه. لكنها تصر على أن تواصل إنتاج المؤتمرات والكلام فى وقت يحتاج إلى حكومة.