أعادت جمعة 8 يوليو بعضا من رائحة المليونيات، وروح الميدان قبل رحيل الرئيس المخلوع، بدا الأمر كأن مصر تتجلى مجددا مثلما فعلت فى 25 و28 يناير، ولكن بعض التركيز يمنحك إحساسا بأن هناك شيئا ما مختلفا، شىء ما يتعلق بالترابط والاتفاق والكيان الواحد الذى أصابه كثير من الشروخ وأضرته المنصات، ومع ذلك تبقى الصورة العامة مبهجة ومؤكدة على أن كل العصافير التى كانت قابعة فوق «أقفية» المصريين قد طارت إلى الأبد، وأخذت معها كل صفات الاستكانة والضعف التى زرعها نظام مبارك فى النفوس.
يتبقى من جمعة 8 يوليو مشهد أهم، وحقيقة لا ترحب التيارات السياسية المختلفة بالاعتراف بها، الحقيقة تقول بأن جماعة الإخوان المسلمين هى الفصيل الأقوى والأكثر تنظيما فى قلب الشارع المصرى، والمشهد الذى أكد تلك الحقيقة كانت تفاصيله كالتالى:
عدد من الدعوات «لجمع» تحت أسماء مختلفة انطلقت خلال الفترة الماضية، ولم يمتلأ الميدان والسبب أن الجماعة لم تعلن مشاركتها بشكل رسمى، وفى جمعة 8 يوليو ظل الوضع بين القوى السياسية حائرا ومبهما حتى أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن مشاركتها فى المليونية قبل توقيتها بـ24 ساعة، ونزلت الجماعة إلى الميدان لتتشكل صورة أقرب إلى مليونيات ما قبل تنحى مبارك أو خلعه.
لا تخدع نفسك وتقول بأن الإخوان ليسوا سبب ضخامة الأعداد فى ميدان التحرير لأن الصور لا تكذب، والصور التى تم التقاطها بعد الخامسة مساء -الموعد الذى قررت فيه الجماعة سحب أعضائها وعناصرها من الميدان- تقر بذلك، صحيح أن هذا المشهد يحمل بعض القلق للجماعة خاصة فيما يتعلق باستكمال بعض شباب الإخوان الاعتصام فى الإسكندرية والتحرير فى مخالفة لقرار فض الاعتصام ليلا، ولكنه يرسم صورة كاملة للفروق بين الجماعة وتنظيمها وبين التيارات الأخرى وفوضويتها.
هذا المشهد الإخوانى فى التحرير له بقية يمكنك أن تستكملها بالسير فى شوارع مصر لترى بنفسك تلك اللافتات التى تحمل الشعار الجديد «نحمل الخير للناس» فى مدخل كل حارة وكل زقاق وكل حى ليدعو إلى فعالية أو احتفالية ما، أو دورة فى كرة القدم هدفها جذب الشباب، أو جمعية جديدة لعلاج المرضى ومساعدة الفقراء، أو قافلة طبية، أو مؤتمر للتعارف، وفى مقابل ذلك الجهد المنظم الصامت الذى يمنح الجماعة أرضية أوسع للحركة فى الانتخابات القادمة، تختفى تماما التيارات السياسية الأخرى مكتفية بالعمل فى العاصمة وتحديدا على الهواء مباشرة من الفضائيات، ولو حدث وقام حزب جديد بجولة ما فى المحافظات يتم تنظيمها كأنها «تمشية للتسلية» ويعتبرها أهل الحزب الجديد قمة الاندماج مع الجماهير.
اختلف أو اتفق مع الإخوان المسلمين، كن ضد وصولهم إلى السلطة، أو ضد وسائلهم فى التعامل مع اللعبة السياسية، ولكن أرجوك كن منصفا واعترف بأن صناديق الانتخابات الشفافة إذا منحت الجماعة فوزا، فهو بالتأكيد مستحق، وهو بالتأكيد له علاقة مباشرة بالفعاليات والمساعدات الإخوانية التى تملأ شوارع مصر، أكثر من علاقته بفكرة الشعارات الدينية وخلافه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة