قرأت عن كتاب مستقبل الثقافة فى مصر لعميد الأدب طه حسين، الذى دعا من خلاله إلى ضرورة عبور البحر الأبيض المتوسط من أجل النهوض بالثقافة المصرية، وكان يقصد بالعبور عبر المتوسط أن نتلقى نحن المصريين الأسس العرفية من دول أوروبا التى سبقتنا بخطوات عديدة فى عالم المعرفة.
وإذا تأملنا هذه الدعوة سنجدها صحيحة وسليمة بنسبة مائة بالمائة، وهناك عدة براهين على ذلك، فكل من تلقى تعليمه بأوروبا أو حتى استكمل تعليمه هناك عاد إلى مصر وأضاف إليها وترك بصمة لا تنسى والأمثلة عديدة.. جاءت ثورة يوليو وظهرت معها القومية العربية التى كانت من أهم أسسها عبور البحر الأحمر، أى الذهاب إلى الدول العربية والانفتاح عليها، فكان التدهور الثقافى الشديد الذى نعيشه الآن.
وأنا لا أعنى بكلامى هذا أننى ضد القومية العربية- لا سمح الله- أو أننى ضد أى بلد عربى شقيق، ولكن أننى أرى وأصدق أن مصر تاريخياً وحضارياً وبالتالى ثقافياً هى منارة الشرق الأوسط بأكمله وعاصمة الثقافة والفنون وهى القبلة التى يتجه نحوها جميع بلدان العالم العربى ليستقوا المعرفة.. فكيف بعد كل ذلك نعبر نحن المصريين البحر الأحمر؟!
إن هذه الخطوة لم تظهر تداعياتها إلا فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، حيث عاد كل من سافر إلى هذه الدول محملا بأفكارهم وطباعهم وثقافتهم لتنتشر فى مصر تيارات عدة لم تعرفها من قبل وأهمها على الإطلاق الوهابية.
شتان بين العبورين عبور المتوسط وعبور البحر الأحمر.. الأول أفرز رموزا لا تنسى من أمثال العقاد والطهطاوى ومحمد عبده ومصطفى كامل وغيرهم، بينما العبور الثانى أفرز خالد الجندى وعمرو خالد وغيرهما من الأسماء التى لا تحصى فى شتى المجالات.. أخيرا أعتقد أنه يجب على كل مسؤول عن مستقبل هذا الوطن الذى يضمنا أن يفكر ويخطط لمستقبل أفضل، ربما يظهر جيل فى عشرينيات وثلاثينيات هذا القرن يحدث ثورة ثقافية ونهضة معرفية تعيد لنا ما ضاع على مر السنين.
وقد تبدأ هذه النهضة مع استعادة تلك القيم التى تحدث عنها عميد الأدب الدكتور طه حسين، وهو العودة إلى كل ما هو متوسطى، بثقافة شديدة الانفتاح والليبرالية، حيث يكون من السهل علينا أن نتعاطى مع الأسس المعرفية من دول المتوسط.
وإذا كانت مصر حاليا تمر بحالة من المخاض الثورى، فهو ما يجب أن نلتفت إليه أيضا على المستوى الثقافى والمعرفى، خصوصا أن هناك أجيالا شابة مؤهلة تماما لتحمل هذه المسؤولية، وحتى تكون قادرة على تحقيق نهضة حقيقية، فما أحوجنا اليوم لرموز مستنيرة، على مستوى الفكر والرؤى المستقبلية، وحتى نتخلص من تبعات الفكر الوهابى ورموزه، والقيم التى رسخوها فى المجتمع المصرى، وهى بعيدة كل البعد عنا وعن طبيعة المصريين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة