ابحث بداخلك جيدا كما فعلت أنا، ربما تجد جزءا من صفات تلك الشخصية، وهى ليست عيبا بقدر ما تضع الإنسان فى مواجهة مع عقله وتفكيره وعهده القديم بأن يصل إلى الحقيقة المطلقة واليقين الثابت، تلك الشخصية التى تجلت بشكلها الأقرب للكمال فى القرن الثانى عشر الميلادى وولدت على يد حسن الصباح وامتدت من بعده لما يقرب إلى 200 عام فيما يسمى بدولة النزاريين، وهى تلخص تماما ما نحن فيه الآن.. أنا أتحدث عن "الحشاشين" تلك الطائفة التى ضربت المثل فى الطاعة المهلكة لنفسها ولغيرها، والوقود سريع الاشتعال لتدمير أى حضارة مقابل تحقيق نزوة لدكتاتور أو موتور أو مريض أو مشتهى سلطة زائلة، فسخر لها من يسلمون عقولهم بلا تعب لمن يشعرون أنه صاحب هدف ويفكر بدلا منهم، ويعلم ما يجهلونه ويصلح ما يفسدونه، فيطيعون أوامره لحد القتل، ويعتبرون حديثه وحيا وصمته فكرا وإفرازاته نوعا من الحكمة.
الحشاشون أصبحوا فى كل مكان وأصبحوا أعلى صوتا وأكثر تنظيما واكتسبوا المهارة اللازمة لكى لا ينكشف أمرهم، حتى أنك أصبحت تبحث عن نية الشخص قبل أن تسمع كلامه، وتسعى للتاكد من توجهه قبل أن تخالفه الرأى، الحشاشون كانوا ينافقون الفرنسيين والإنجليز فى عهد الاستعمار، ثم قبلوا التراب على حذاء الملك، وحرصوا على التوقيع لسعد زغلول، وبحت أصواتهم دفاعا عن مجلس قيادة الثورة وقدسوا عبد الناصر ، وداهنوا السادات، حتى مات غدرا ثم رفضوا أن يلقبوه بالشهيد، الحشاشون يسعون الآن للسيطرة على المساجد بأوامر من مشايخهم، ليحاربوا البدع ويقتلوا الإبداع ويقضوا على أعداء "الدين الجديد".. الحشاشون الآن ينصبون المنصات فى ميدان التحرير أثناء الزحمة وينسحبون منه فى أوقات الشدة، الحشاشون بلا ضمير يملئون الدنيا عويلا على الاقتصاد الذى سينهار وهم يبغون تبرئة الفاسدين من رجال الأعمال والوزراء.
الحشاشون فى عهد مبارك كانوا أقل ذكاءً ولكن سلاحهم القوى كان الاعتماد على عاطفة البسطاء وضعف ذاكرتهم، وشغف المصريين بتفسير ما بين السطور حتى وإن كان وهما، الحشاشون وذابوا عشقا فى مبارك ونظامه واختلقوا من الحجج للدفاع عنه ، مالم يستطع كبار الفلاسفة فى الوصول إلى منطقة، وبعد سقوطه صلى بعضهم ركعات خلف الثورة حتى امتطى ظهرها وتحول لمدافع عنها وحجته الجاهزة "مكنتش أعرف إن الفساد وصل للدرجة دى".
الحشاشون فيما بعد الثورة شعروا بالحرج من تزلفهم لـ"شوية عيال" قاموا بالثورة، فجربوا أن يعبدوا عصام شرف ولكن لم يستسيغوا طيبته، فحولوا قبلتهم نحو المجلس العسكرى، بدأوها بالترديد مع الناس أن الجيش يحمى الثورة، وأنه الدرع الوحيد للوطن، فنافقوه ووالسوه، وحرضوه على الشعب وودوا لو أنه أظهر العين الحمراء للناس، وطالبوه بالحزم، وسربوا له أخبار ونفوا عنه شائعات لم تصدر بعد، ثم جلس كثير منهم يطالبون بحكم مدنى يتخلله أعضاء عسكريين، وكأنهم يبحثون عن ديكتاتور جديد يضعون رقابهم تحت حذائه، وإن لم يجدوه فإنهم يصنعونه.