إلى أين نتجه بالضبط؟
لا أحد فى ظنى يمتلك إجابة مؤكدة، لا المجلس العسكرى ولا الدكتور عصام شرف ولا الثوار الذين يعلنون قائمة مطالبهم من ميدان التحرير وميادين المحافظات، والسبب أننا ما زلنا أسرى منهج التفكير الخاطئ الذى يتصدى دائما للكارثة بعد وقوعها محاولا التخفيف من أضرارها، ومهما كانت نسبة النجاح فى مواجهة الكارثة، لن تقاس بما يمكن تحقيقه إذا اعتمدنا منهج إدارة الأزمات قبل وقوعها.
فى حالة ثورة الغضب الثانية، المقدمات خلال الشهرين الماضيين كانت تؤدى إلى النتيجة الكارثية التى نراها الآن.. معتصمون فى التحرير مسكونون بزخم الثورة المبهر، يرفعون قائمة مطالب أغلبها مشروعة تحت سمع وبصر العالم، وقيادات فى مجلس الوزراء والمجلس العسكرى تقدم تنازلات بالقطعة وعلى دفعات بيد، بينما تلوح بالتهديد باليد الأخرى، الأمر الذى من شأنه أن يطيل أمد المواجهة بين المعتصمين والحكومة ويفاقمها، لتصبح بين المعتصمين والمجلس العسكرى بصراحة ووضوح.
زخم الثورة الذى يغوى عشرات الآلاف بالنزول إلى ميدان التحرير يضاف إليهم أصحاب الحقوق من أهالى الشهداء والمصابين والمتضررين من النظام السابق، كما يضاف إليهم المحرومون والجائعون وهم بالملايين، وإذا انضم إلى هؤلاء وأولئك أصحاب المطالب السياسية ومنتقدو أداء حكومة شرف، نكون أمام نسيج المجتمع المصرى الذى خرج بقوة وحشد فى ثورة الغضب الأولى، ولا أظن أن أى نظام مهما كانت قوته أو رصيده يستطيع أن ينتصر فى المواجهة مع هذه الفئات مجتمعة لأننا بذلك نتحدث عن معظم فئات الشعب المصرى.
هل تغيب هذه البدهيات عن المجلس العسكرى والحكومة؟ أعتقد أن الإجابة بالنفى، وإذا اعتبرنا أن هناك محاولة لاستدراك الأخطاء خلال الشهرين الفائتين بحسب الإجراءات والأحكام والقرارات خلال الأيام القليلة الماضية، إذن لماذا صدر البيان الأخير عن المجلس والذى حمل من التهديد والتصعيد أكثر مما حمل من التهدئة؟ هل يريد المجلس العسكرى أن يؤكد سلطته المطلقة على الشارع؟ أم يعتبر أن المعتصمين فى الميادين المصرية قلة لا تمثل جموع الشعب المصرى؟
وهل يخفى على رجال المجلس العسكرى خطورة الحرب على أكثر من جبهة داخليا، الاعتصامات السياسية فى القاهرة والمحافظات حتى وصل الأمر إلى إغلاق مجمع التحرير وتنظيم مسيرات لحصار مجلس الوزراء، والاحتجاجات الفئوية وقد عادت لتشتعل بكثافة فى كافة القطاعات والمحافظات، بالإضافة إلى الوضع المرتبك أمنيا، فالداخلية تعانى من غضب مكتوم بين أفرادها نتيجة قرار إحالة جميع المتهمين فى جرائم قتل الشهداء للاستيداع، ويتضامن معهم مئات الآلاف من زملائهم، والوضع الاقتصادى المتراجع الذى تعبر عنه أفضل تعبير أسهم البوصة التى اصطبغت باللون الأحمر، لون الخسارة التى تجاوزت سبعة مليارات جنيه.
وسط هذه الجبهات المفتوحة، يكشف المجلس العسكرى عن "العين الحمرا"، وينزع ناحية الردع للمتظاهرين وأصحاب المطالب الفئوية، فهل هذا هو الوقت الملائم لاستعراض القوة؟ هل هذا هو الوقت الملائم للتأكيد على عدم محاكمة مبارك عسكريا، رغم الملفات المفتوحة حول عمولات الأسلحة وخلافه؟ وهل من الصواب التضحية بيحيى الجمل وبالحكومة والإبقاء على عصام شرف الذى طالب المعتصمون فى الميادين بإقالته؟ ومن يضمن أن يشتعل الموقف مجددا يوم الجمعة المقبل، وعندها قد يضطر المجلس العسكرى إلى تقديم تنازل جديد بطريقة القطارة ويكلف شخصية أخرى بتشكيل الحكومة، وعندئذ ما كان مقبولا اليوم لنزع فتيل الأزمة لن يكون كافيا لإرضاء الشارع، وتعود المواجهة إلى نقطة الصفر.
يا أهل الحل والعقد، "ما لكم كيف تحكمون؟".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة