حينما تقرأ نص التحقيقات مع الرئيس المخلوع حسنى مبارك التى انفردت بها «اليوم السابع» على يد زميلنا محمود سعد الدين سيزورك اليقين ويخبرك بأن مبارك يستحق كل نكتة وكل لوحة سخرية وكل هتاف بذىء أو كوميدى تم رفعه فى ميدان التحرير أو انتشر على ألسنة الناس همسا قبل ثورة 25 يناير.
حينما تقرأ اعترافات مبارك عن «الجمل» الذى شاهده يجرى فى ميدان التحرير، وعن رشاشات المياه التى وعده العادلى بأن يضرب بها المتظاهرين، وعن المطالب التى لم يعلم بها إلا بعد المظاهرات ستكتشف أنك أمام رجل لا يستحق إلا نهاية على منصة إعدام فى قلب ميدان التحرير، ليس فقط لأن إجاباته كانت عبارة عن «استهبال» مكرر، أو لأنها ربما تكون إجابات مكتوبة من محامى أرياف، ولكن لأنه – أى مبارك- كان مثل الأطرش فى الزفة، يحكم بلدا دون أن يعلم عنه شىء.
ويبدو من التحقيقات، التى تعتبر أول مواجهة مباشرة نختبر فيها قدرات رئيس مصر بدون خطابات وإجابات معدة سلفا، أن الرجل الذى حكمنا لمدة 30 سنة فعل ذلك بالصدفة، وأنه لجأ للعبة القديمة، لعبة ادعاء التوهان والجنون وفقدان الأهلية حتى يهرب من شبح السجن.
التحقيقات بمفردها تكفى لأن تضع مبارك فى السجن فورا، ولأن تجعل العفو عنه فكرة سخيفة وهزلية، فهى بمفردها دليل واضح على مسؤوليته عما حدث فى موقعة الجمل وعن دماء الشهداء وعن الفساد الذى استشرى، هى بمفردها سبب كافٍ لأن تضاعف كرهك لمبارك وأسرته، ولكل من يطلب له عفوا أو رأفة.
أنا أكره مبارك المخلوع، وهذه التحقيقات طورت عملية الكره هذه لأنها أثبتت أن الرئيس السابق لم يشعر حتى الآن بوجع أمهات الشهداء، ولم يسمع صرخات دمائهم وهى تروى أسفلت التحرير وأرض السويس برصاص رجال وزارة الداخلية، ولم يمثل له الأمر أكثر من مجرد «جملا» يجرى فى الميدان.
ولأنه تركهم يضعون صوره فى الميادين وهو يقف فخم وضخم، بينما شعب مصر بأهراماته وتاريخه يظهرون صغارا أسفل قدمه، أو تحت إبطه، أو فى حضنه إن كانت الصورة بالعرض مش بالطول.
أنا أكره مبارك المخلوع لأنه لم يبكِ حينما غرقت العبارة وطفت مئات الجثث على سطح المياه بوجوه مذعورة، ولأنه لم يدمع أو يصرخ حينما طلت جثث المواطنين المصريين محروقة ومتفحمة من داخل شبابيك قطار الصعيد، ولأنه لم يصب باكتئاب بسبب المصابين بالفشل الكلوى والسرطان و«فيروس سى»، ولأنه لم يعترف يوما بأنه نام مرة بدون عشاء تضامنا مع الآلاف من أبناء شعبه الذين تمر أيامهم دون الحصول على وجبة واحدة.
أنا أكره مبارك لأنه تركهم يعلموننا ونحن صغار أنه «بابا» والسيدة زوجته «ماما»، وتركهم يؤلفون أغانى بهذا المعنى، نرددها فى الحفلات ويكرر التليفزيون إذاعتها بمناسبة وبدون مناسبة، وظللنا نحن نراعى تلك الصلة التى صنعتها الأغانى، حتى كبرنا وفهمنا أنه لا يوجد أب يخنق مستقبل أولاده، ولا يوجد أب يترك وزيرا يغذى طعامهم بالمبيدات المسرطنة.
باختصار أنا أكرهه لأنه لا يوجد أب أو حتى زوج أم يقتل أولاده برصاص الغدر وهم يقفون صفا واحدا للمطالبة بحقهم فى الكرامة دون أن يعتقدوا للحظة واحدة أنهم قد يدفعون حياتهم ثمنا لهتاف.. الشعب يريد إسقاط النظام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة