لعل أهمية انتخابات نقابة السينمائيين أخيرا، لا تنبع من قيمة السينما وأهلها، ولكنها إشارة لشىء أكبر وأهم كثيراً، فمنذ اندلاع الثورة ونقابة السينمائيين، ككل نقابات مصر، مشتعلة، بل إن نقابة السينمائيين كان اشتعالها سابقاً على الثورة.. اتهامات لنقيبها مسعد فودة بأنه حصل على منصبه بالتزوير، واتهامات بتجاوزات مالية، وأشياء أخرى، ثم كانت الثورة فعَلت الأصوات أكثر بحكايات الفساد والاتهام بالولاء لنظام بائد، ووصلت الأمور إلى أقسام البوليس واعتصامات.
خلاصة الأمر، أن النقابة التى يجب أن تضم صانعى البهجة والفن فى مصر، كانت تغلى ضد مسعد فودة الذى لا أحد من العامة يعرف من يكون الرجل فى عالم السينما.
ثم أعلنت الجمعية العمومية الانتخابات بعد الثورة، وعاد مسعد فودة مرشحا أمام على بدرخان المخرج الكبير، وهذه المرة دون مرشحين آخرين يفتتون الأصوات كما حدث سابقا.
وتصورت، وغالبا كل مراقب للمشهد، أن الحياة بقى لونها بمبى، وأن الثورة قامت ولا مكان لانتخابات يُسيرها أمن الدولة، وأن الشعب آن له أن يقول كلمته، وبالتأكيد السينمائيون آن أن يكون لهم نقيب بقيمة بدرخان.
وتوافد الآلاف منذ الصباح على صناديق الانتخابات وانتظرنا النتيجة المتوقعة، حتى إن كثيرا من المواقع أعلنت النتيجة بفوز بدرخان قبل الإعلان الرسمى، ثم يا للهول على رأى يوسف بيه.
انتصر مسعد فودة وانهزم بدرخان!! وليس هناك من أحد يستطيع أن يطعن فى هذه الدورة، كما حدث سابقا، لأن انتصار فودة ليس مزوراً.
ولكن ما الذى حدث وكيف حدث؟ هذا هو مربط الفرس.. فالحق أن الفساد فى مصر من طول بقائه صار ممنهجا ضارباً جذوره فى الأرض.
كل نقيب فى نقابات مصر على مدى السنين الماضية سجل مئات وآلاف من الأسماء فى جداول الانتخابات ما كانت لهم عضوية، ولكنه فعلها ليضمن رجالاً وقت اللزوم فى كل نقابات مصر من صحفيين إلى سينمائيين إلى تجاريين وهلم جرا.
الفساد فى مصر لم يقف عند الحاكم وحده، بل امتد لكل حاكم صغير أو كبير، إلا من رحم ربى، وبلا شك امتد الفساد إلى المحكومين أى الشعب.. فالفساد معدٍ كالعطب تماما، ونجاح مسعد فودة لم تدعمه الحكومة، ولكنه اختيار شعب النقابة، وليس إلا بروفة لانتخابات أخرى لن تكون مزورة ولكنها فاسدة.
نحن بحاجة لعلاج طويل وقاس، وحتى يحدث ذلك هل سيقف ثوار الميادين الآن صارخين «الشعب يريد تطهير الشعب وتغييره» لأن هناك مليون مليون مسعد فودة؟!