كتبتُ وكتب غيرى كثيرا يتساءلون: لماذا لا تتم محاكمة قتلة الثوار بسرعة؟ مما أدى إلى غضب عارم فى البلاد، انفجرت بعده الثورة مرة أخرى. وطبعا تعرفون تداعيات ما جرى منذ الأربعاء 28 يونيو الماضى، ولا حاجة لأن أعيدها عليكم. فجأة نشرت «اليوم السابع» نص التحقيقات مع الرئيس المخلوع. وكان مما قاله أن المتظاهرين كانوا مسلحين وهم الذين قتلوا بعضهم. انتبهت بعدها إلى ما قاله وزير الداخلية مؤخرا، من أن رجال الشرطة أبرياء من عمليات القنص التى تمت للمتظاهرين. وبعده قال عمر سليمان إن الذين ماتوا من المتظاهرين ماتوا بسبب الزحام.لم يكن أحد منا يعلم بما قاله الرئيس فى التحقيقات قبل نشرها إلا المسؤولون فى مصر. وهكذا صارت إجابة الرئيس تعليمات. ولم يكن ينقص أحدا ممن تحدثوا بعده عن ذلك غير أن يقول إنه بناء على تعليمات السيد الرئيس فإن المتظاهرين هم الذين قتلوا بعضهم. وتفسير ذلك بسيط جدا، فالشرطة قبضت على كثير من المتظاهرين ما بين يومى 25 و28 يناير ونقلتهم إلى معسكرات بعيدة. هناك استطاعت أن تستقطب عددا ممن قرروا التعاون معها، فذهبوا إلى وزارتها وأخذوا الأسلحة اللازمة للقتل واستقروا على سطحها ليبدأوا ذلك. كما أن فريقا منهم تميز بقوة أصابعه. خاصة عازفى البيانو من المتظاهرين وعازفى العود، وكان تعاونهم مع الشرطة له شكل واحد هو أن يندسوا بين زحام المتظاهرين ويضعوا أصابعهم فى عيون من يقابلهم حسب المسافة والمنظر. فالذى شكله حلو يكفى خلع عين واحدة له أما الذى شكله وحش فيمكن خلع عينيه. وحدث أننى يوم جمعة الغضب كنت بين عدد كبير من المتظاهرين فى الشوارع المحيطة بشارع طلعت حرب فى منطقة وسط البلد. وأتذكر الآن أنه بين حين وآخر كنت أسمع من يصرخ ويقول آه ياعينى فأنظر فأجد شخصا يختفى بسرعة وسط المتظاهرين. لم يكن الصراخ بسبب الرصاص المطاطى ولا حبات الرش ولا حتى ما يثيره الغاز من ألم. كان لأن أحدا غرز إصبعه فى عينه، وغالبا كان هو الذى رأيته يختفى بسرعة. أجل. أتذكر أن إصبعه السبابة كان أحمر.كان اللون الأحمر فى أصابع كثير من المتظاهرين يثيرنى جدا. ولم أفهم معناه إلا بعد أن عرفت بما قاله الرئيس ونائبه ووزير الداخلية. ويؤكد كلامى أن كثيرا منهم خلع عن إصبعه العازل البلاستيك الذى كان يغطيه به وألقاه على الأرض بحيث لا تبقى أى آثار للجريمة عالقة به. وأنه بعد أن انتهت المعركة بين الشرطة والثوار لم يكن على الأرض قنابل فارغة ولا طلقات نارية فارغة ولا بقايا رش. كانت الأرض مليئة بالعوازل البلاستيك الحمراء التى هى أشبه بالعوازل الطبية لامؤاخذة، بحيث أن أى شخص يظن أنه لم تكن هنا ثورة، ولكن حفل جنس جماعى يحافظ أصحابه على النسل طبقا لتعليمات وزارة الصحة والسكان. أرأيتم الهنا الذى كان فيه شبابنا؟ هل ندين الرئيس الآن ووزارة داخليته وعصاباتها من البلطجية والقتلة من الضباط وأمناء الشرطة؟ طبعا نشكرهم غاية الشكر أنهم أتاحوا لشبابنا هذا الحفل الجنسى الجماعى فى زمن عز فيه الزواج. القتلى إذن هم الذين لم يعجبهم الحفل أو هم العزّال الذين قتلهم المحبون بأصابعهم.
طبعا هذا خيال يليق بما قاله نائب الرئيس المخلوع عن الزحام، لكن الرئيس قال إن المتظاهرين قتلوا بعضهم بالرصاص. وهذا ليس له تفسير إلا ما قلته من أن المتظاهرين انضموا خلسة إلى وزارة الداخلية. وإذا كنا جميعا نعرف أن هذا لم يحدث فلا يهم، فتعليمات الرئيس لرجاله وإن جاءت بشكل غير مباشر الآن، لا يمكن أن يخرج عنها أبدا رجال الرئيس... الرئيس لا يكذب وكل ما جرى من إهمال لمحاكمة القتلة كان بسبب دراية حكامنا بما قاله الرئيس فى التحقيقات. الرئيس فيما يبدو لا يزال يحكم أو على الأقل مازال رجاله أوفياء له.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة