يقول أحد اللاهوتيين: «أن أكون جائعا فتلك مشكلةٌ مادية، أما لو كان جارى جائعًا فتلك مشكلةٌ روحية ومشكلةٌ وجودية»، إذ كيف «لإنسان» - يا له من لقب جلل - أن يشعر بمذاق مأكل، وهو موقن أن جارًا له لا يجد ما يقيم أوده، ولا يجد شربة ماء نظيفة، تليق ببشرى، تدخل جوفَه!! كيف يغلق بابَه على أسرته لينام قرير العين، فيما سواه لا يجد بابًا يحتمى خلفه! وكيف يقرُّ له جَفنٌ وجارٌ له لا يجد سقفًا يحمى بدنه من غول الطبيعة الشرس؟! وكيف له أن ينعم بدفء، بدنّى أو معنوى، وهو يرى أن إنسانًا يشاركه الوطن لا تحمى بدنه إلا غلالةٌ من خيشٍ، فيما روحه مدثرةٌ بطبقات كثيفة من الشظف والعوز وانعدام الأمن، والشعور المرير باللاآدمية؟ وكيف يودّع رجلٌ أطفالَه إلى باص المدرسة بتلويحة وابتسامة، فيما أطفال أخيه محرومون، ليس وحسب من التعليم، بل من أول مبادئ الطفولة، يجولون بين صناديق القمامة يلتقطون فتات الناس، وبين صفوف السيارات يتسولون قروشًا لإطعام أطفال آخرين هم أشقاء، ورجال ونساء هم أبٌ وأم وجدٌّ وجدّة!
تلك هى كارثة العشوائيات التى تمثّل شوكةً حادة فى خاصرة مصر الطيبة، تلك هى الأمكنة التى تضم بين جنباتها مصريين نسوا أبسط أساليب الحياة الآدمية، ينشأ أطفالهم على الحرمان من حقوق الطفولة والإنسانية، ويتناسل الأطفالُ فى الشوارع لينتجوا أطفالا مثلهم، سيدورون من جديد فى دائرة الشظف والعوز والتأهب التام ليصبحوا فى غد الأيام خارجين على الدولة والقانون، مادامت الدولة والقانون لم يستطيعا أن يوفرا لهم أبسط حقوق العيش: أربعة جدران، وسقف، وشىء من الأمان.
لأجل كل هذا تكاتف بعضٌ من شرفاء مصر فى جلسة عصف ذهنى للتخطيط من أجل صالح أولئك الذين خذلهم النظامُ السابق على مدى ثلاثين عامًا، لم يتوقف فيها الحاكمُ لحظةً عن الكلام حول الانتصار للفقراء وإصلاح التعليم والصحة، بينما يزداد المصريون فقرًا وجهلاً ومرضًا، يوما بعد يوم خلال تلك العقود الثلاثة! لأجل هذا اجتمع الفنان والمثقف الشريف محمد صبحى، والداعية الدينى المستنير عمرو خالد، والفنانة الجميلة حنان ترك، مع الإعلامى الوطنى عمرو الليثى، رئيس جمعية «واحد من الناس»، ونيازى سلام، نائب رئيس المؤسسة.. اجتمعوا لإطلاق حملة «المليار جنيه للنهوض بالعشوائيات». تلك التى أسموها «وصمة على جبين مصر»، مثلما ظل صبحى فى مسلسل «يوميات ونيس» يكرّس قيم الفضيلة والنبل والرقى على مدى سبعة أجزاء من المسلسل، ها هو الآن ينتقل خطوة للأمام نحو أرض الواقع ليفعِّل ما قدمه فنه على الشاشة طوال تاريخه، كذلك فعل عمرو الليثى بعدما ظل خلال سنوات ثلاث من عمر برنامجه «واحد من الناس» يجول بين أزقة العشوائيات والعشش الصفيح، يستعرض أمامنا، نحن المصريين، وأمام مسؤولى النظام القديم، المصريين أيضًا، الأهوالَ التى يعايشها أولئك المصريون داخل العشوائيات، الذباب يحوم حول عيون أطفالنا، مياه الصرف الصحى هى ما لديهم للشرب، أبسط مرافق الحياة غير موجودة، بينما ينام الوزراء والمحافظون ورؤساء المحليات قريرى العيون مرتاحى الضمير فى قصورهم وفُرُشهم الوثيرة! كان الليثى يصرخ على الشاشة فى وجوه المسؤولين: «يا محافظ، هذا لا يليق بمصرى!» على أن هذا المسؤول أو ذاك تعلّم مع أقرانه كيف يصمُّون الآذان، ويغمضون العيون، بعدما أغلقوا الضمائر ووضعوا على القلوب أقفالها.
قرروا أن المشروع يحتاج مبدئيا 25 مليار جنيه.. بادر محمد صبحى بالتبرع بمائة ألف، وبادر المشير طنطاوى بالتبرع بخمسين مليونا من ميزانية القوات المسلحة، وبادر مصريون شرفاء بالتبرع بما جادت به نفوسهم الطيبة، وننتظر الكثير والكثير من مؤسسات المجتمع المدنى، للتبرع بالمال والحديد والأسمنت والطوب والسيراميك والأخشاب وكل ما يمكن أن يقيم هذا المشروع الرفيع والحتمى لمستقبل مصر التى اهترأ قلبُها من ظلم حكام طماعين، هذا هو رقم الحساب (555666/7 البنك المركزى)، الذى أثق فى أن كل مصرى، ثريا كان أم فقيرًا، لن يتأخر عن الذهاب إليه ليضخ فيه شيئا من محبته.. لمصر، وللمصريين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة