اكتشفت أننى عشت عمرى كله دون أن أشعر بالمعنى الحقيقى للحزن، وأن كل ما مررت به من مواقف صعبة لم يكن على الإطلاق أكثر من مواقف تافهة كنت أتصور أنها محزنة!!
جاء هذا الاكتشاف بعدما تعرضت لأول موقف عصيب فى حياتى، عرفت منه معنى الفجيعة التى كنت أسمع عنها طيلة عمرى دون أن أعرف معناها الحقيقى، ويا ليتنى ما عرفتها.
كانت الساعة الثالثة فجر يوم الخامس من شهر يوليو الجارى، وكان الجو معتدلا، حيث إننى كنت أسير على قدمى بشارع الشنزيليزيه بعاصمة النور باريس فى طريق عودتى للفندق، وإذا بمحمولى يرن فى مثل هذا الوقت المتأخر بعض الشىء الذى دفعنى للرد دون تردد، وإن كان القلق قد تسلل إلى داخلى.
إنه مدير الشركة التى يعمل فيها أخى الكابتن طيار إيهاب عبدالمنعم! ماذا يريد وما هو الشىء المهم الذى دفعه للاتصال بى الآن؟ بالتأكيد هى مصيبة ما قد وقعت لشقيقى، هل سقطت الطائرة به؟ أم أنه قد أصيب بمكروه؟ أم.. وأم.. وأم.. كل هذه التساؤلات وردت إلى ذهنى فى أقل من عشر ثوان، وقد تصببت عرقا، وهرب منى ريقى، وشعرت بالبرد الشديد المصحوب بصعوبة التنفس والنطق أيضا، ربما كان هذا نتيجة لتخوفى من سماع أى خبر سيئ عن شقيقى، توقفت لحظتها عقارب الساعة، وأنفاسه أصبحت كصوت الرعد الذى زلزل أذنى وخفى حسى، قال لى بصوت أجش: «ألو»، فأجبته بلا صوت مما دفعه لتكرارها مصحوبة بكلمة: «لا حول ولا قوة إلا بالله.. أنت فيه حد جنبك؟!»، فهززت رأسى بالنفى وانسالت دموعى بعدما تحجرت بعينى، وكنت قد توقعت ما سيقوله بعد أن أجيبه، بالنفى وما توقعته سمعته، حيث قال: البقاء لله إيهاب تعيش أنت.
ازدادت ضربات قلبى وفقدت طريقى وانحنى ظهرى وكبرت عشرين عاما فوق عمرى ومر أمام عينى شريط ذكريات لن أنساها حتى أرقد بجوار أخى بالمدفن، تذكرت أحلى الأوقات مع أغلى الناس الذى فارقنى دون أى إنذار، يا لها من مصيبة.
مرت على هذه الليلة السوداء ومرت ليالى أخرى بعدها دون أن يقل حزنى ودون أن يفارق إيهاب خيالى لحظة واحدة، فقد كان شقيقى الأكبر وصديقى المخلص وظهرى القوى ومثلى وقدوتى والشخص الوحيد الذى لم يغضبنى يوما وظل مهموما بى لآخر يوم فى حياته، إيهاب لا أملك الآن سوى الصبر والدعاء لك حتى ألقاك يا أعز الناس.
أخوك تامر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة