لو كنتَ من هؤلاء الذين تزعجهم المظاهرات الفئوية، وصرخات الغلابة والمطحونين من أعينهم البصيرة وأياديهم القصيرة التى أصابها الضمور، أو كنتَ ممن يصفون المواطنين الذين تظاهروا فى ميدان التحرير بالفانلة الداخلية والقمصان الرخيصة والممزقة والجلاليب البلدى، وشبشب الحمام، أو من غير شبشب خالص- بأنهم بلطجية.. إن كنتَ واحدا من هؤلاء يا عزيزى، فدعنى أخبرك بأن السطور القادمة لن تكون على هواك، ولكن صدقنى، القليل منها لن يضر بصحتك.
فى عصر مبارك كان الاتهام الأسهل للخصوم هو اتهام العمالة والخيانة، وهو أمر طبيعى مع رجال نظام كانوا يعتقدون أن لكل ضمير ثمنه، وفى عصر ما بعد الثورة أصبح الاتهام الأسهل للفئات التى لا توافق هوى حكومة الدكتور شرف أو المجلس العسكرى أو الإخوان أو الأحزاب المستفيدة من الوضع الحالى، هو اتهام التسرع وقلة الصبر والبلطجة وإهدار مكتسبات الثورة، وكلها اتهامات تكتمل بجملة واحدة: تعطيل عجلة الإنتاج عن الدوران والإضرار بالاستقرار.
وبناء على ما سبق، شهد العالم ولأول مرة فى تاريخه دولة اشتعلت فيها ثورة أطاحت بنظام ديكتاتورى، وتسعى نحو الديمقراطية والحرية- تحتفى بتطبيق قانون لتجريم الاحتجاجات، وتحتفل بصدور أول حكم بالسجن على 5 عمال، وفقا لهذا القانون.
انتبه ياعزيزى.. أنا لا أحكى لك قصة من كتاب ألف ليلة وليلة، ولا نكتة سياسية، أنا أخبرك عن دولة كانت فى ظل ديكتاتورها مبارك، حيث سنوات القمع والقهر، تسمح لعمال المصانع بالاعتصام على رصيف مجلس الشعب، والهتاف ضد رئيسها بشارع مجلس الوزراء، ولما اشتعلت فيها ثورة من أجل الحرية، أغلقت هذه الشوارع، وجاءت حكومة الثورة لتجعل من كل متظاهر مجرما يستحق السجن، أو بلطجيا يستحق عداوة المجتمع، وكل هذا يحدث تحت مظلة حجة كبيرة اسمها تعطيل دوران عجلة الإنتاج، وهو أمر يشبه التبرير الذى كان يستخدمه نظام مبارك القمعى كلما أراد فض مظاهرة، أو تكميم أفواه أصحاب الحقوق.
هل تسأل بعد كل ذلك لماذا لا يشعر الناس بأن ثورة ما قد قامت فى مصر؟، هل تتعجب وتتأفف من دعوات بعض المخلصين إلى ضرورة إحياء تلك الثورة وبث الروح من جديد فى جسدها الذى شلته الحكومة والمجلس العسكرى بالمسكنات وحقن «الطبطبة» والوعود الوردية؟
دعنى أرحمك من الإجابة، وأواصل إيقاظ ضميرك بالسؤال التالى:
أليس غريبا أن يتم اتهام المتظاهرين بالبلطجة بناء على «الفانلة الحمالات»؟، وكأن الذين يروجون لهذا الاتهام السخيف لا يعرفون أن الفقر قد عشش فى نصف أركان وأرجاء هذه البلد طوال السنوات الطويلة الماضية، وجعل من الملبس رفاهية تراجعت أمام حاجة الفقراء للطعام، أليس غريبا ومقززا يا عزيزى أن الغلابة فى عصر مبارك عاشوا يبحثون عن «لقمة العيش» دون أن يجدوها، ولو وجدها بعضهم يحصل عليها بالدماء السائلة فى معارك الطوابير، أو بذل السؤال، وإهدار الكرامة، وبعد الثورة ظلوا على حالهم يعانون الفقر والمرض وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى تحميلهم تهم البلطجة والطمع وتفريغ هواء عجلة الإنتاج، وتصويرهم فى وسائل الإعلام على أنهم الوحوش التى ستخرج بعد قليل من الوقت فى ثورة جياع لتخرب وتدمر الوطن؟!.. خلاص مافيش كلام تانى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة