استعادة الثقة أهم من تشكيل الحكومة، واستمرار الشك والتشكيك يبشر بانهيار الحكومة الثانية لشرف مثلما انهارت الأولى.. فهى حكومة تبدأ عملها وسط كل هذا الخوف والشك لا ينتظر أن تستمر كثيرا، ولا أن تظهر فى عين الرأى العام حكومة قوية قادرة على الانجاز. خوف وشك من كل الجهات، التحرير يشك فى الجميع، فى الحكومة والمجلس العسكرى، والاتئلافات والأحزاب تشك فى نفسها وبعضها، وكل منها قدمت قوائم بمرشحيها للوزارة، ولما تم استبعادها عادت لتنضم إلى رافضى حكومة شرف.
رئيس الحكومة نفسه يحمل قدرا من الشك فى تلك القوائم، التى تلقاها ووعد بدراستها. حتى لو لم يكن مقتنعا بها، وهو من البداية يريد إرضاء كل الأطراف، حتى تلك التى تقدم مطالب هلامية أو غير معقولة.
وحتى عندما أعلن شرف موافقته على تلبية مطالب الثورة لم يحدد أى المطالب تلك، التى يفترض على حكومة تسيير أعمال أن تنجزها، ولم يعلن شرف أهداف حكومته الأولى، ولا حكومته الثانية. ولا يعترف بأنه رئيس لحكومة تسيير أعمال يفترض أن يكون برنامجها محددا بإنجاز مهام عاجلة، ومنها المستشفيات والأمن والمرور فضلا عن حلول وقتية وعاجلة للفقراء، والعمال الذين تعطلت مصالحهم وتوقفت مصادر رزقهم.. لكنه يستمر فى تقديم وعود كثيرة من شأنها أن تضاعف حالة الشك فى حكومته.
التشكيل الوزارى من البداية يعانى من تضارب القوائم.. قوائم ائتلافات وتيارات وأحزاب، تتقاطع ولا تتكامل وتستند على المصالح والولاءات وليس على الخبرة والكفاءة. لدى شرف عشرات القوائم وعد كل أصحاب القوائم بتلبية رغباتهم. ولأن عدد الوزراء فى الحكومة محدود، من الصعب استيعاب كل هذه القوائم، من الوارد أن ينضم أصحاب القوائم المستبعدة إلى الغاضبين والمشككين فى حكومة شرف الحالية. التى لا يبدو أنها استندت على قواعد جديدة فى اختيار الوزراء الجدد.
التشكيك فى أى وزير يأتى ببساطة من التفتيش فى علاقته بالنظام السابق، ولجنة السياسات، وهو أمر يدفع المرشحين والوزراء إلى محاولة تبرئة أنفسهم من العلاقة مع النظام السابق، بالذهاب إلى التحرير والحصول على جواز مرور، فعلها وزير الصحة عمرو حلمى وذهب لزيارة الميدان وتقديم نفسه وطلب مهلة لإعلان برنامج خلال شهر، لكن زيارته لم تقابل بما كان يتمنى، البعض رحب به والبعض رفض الوزير وأعلن رفض الحكومة كلها، وطالب البعض فى الميدان بتشكيل حكومة من التحرير أو تعيين مراقبين من الثوار لأداء الوزارات.
أزمة الثقة واضحة، وتنعكس فى كل خطوات التشكيل الوزارى، حيث تمت إقالة وزير الآثار بعد ساعات من اختياره، مع توقعات بمزيد من الاعتراضات فى مواجهة وزراء جدد، وما لم يتم استعادة الثقة لا أمل فى أن تستمر الحكومة الثانية لشرف. وهى ليست أزمة شرف وحده ولا حكومته، لكنها أزمة شك عام ومصالح متقاطعة تهدد بانهيار تام.