من أجمل ما كتب المفكر الدكتور جلال أمين فى نهاية التسعينيات كتاب «ماذا حدث للمصريين؟»، والذى يشرح فيه التغير الاجتماعى والثقافى فى حياة المصريين خلال الفترة منذ 1945 إلى 1955، وعندما نشر هذا الكتاب البديع فى عام 98 أثار اهتماما واسعا بين المهتمين بالوجع الوطنى، فقد استطاع وضع يده على جرح الوطن فى مهارة مدهشة، فراح يرصد ويحلل ويفسر التغيرات التى ألمت بالمجتمع المصرى خلال نصف قرن.
و فى اعتقادى أن كتاب الدكتور جلال أمين كان يبشر فى ثنايا التحليل والرصد والتشخيص إرهاصات التغيير، والحراك الاجتماعى والسياسى الذى تجسد بعد ذلك فى 25 يناير 2011، أى بعد 23 عاما من نشر الكتاب.
الكثير من التحليلات واستطلاعات الرأى من مراكز البحث العالمية والمحلية أعادت مؤخرا طرح سؤال الدكتور جلال أمين بطريقة أخرى وهو: «ماذا حدث للمصريين بعد 25 يناير؟» بهدف قياس آثار وتداعيات الثورة على المصريين، والتغيرات النفسية والسلوكية، وكذلك قياس اتجاهات ومفاهيم المصريين بعد الثورة.
الأكيد أن الشعب المصرى بعد قيام ثورة يناير-حسب تلك الاستطلاعات- شهد تغيرات نفسية وعاطفية متباينة ومرتبكة، تمثلت فى انخفاض الإحساس بالأمان بشكل ملحوظ، بينما ارتفع الحس الوطنى، وزيادة الاعتزاز بالهوية المصرية بشكل لافت، بعد أن فقد الكثير من المصريين الإحساس بمعنى الوطن والشخصية الوطنية.
الثورة حطمت 30 عاما من حواجز الخوف والفساد، وعبرت بالمصريين إلى مساحة جديدة من التطلع إلى مستقبل أفضل، والقدرة على تحقيق الحلم فى الحرية، وبناء دولة القانون والعدل، والإصرار على المشاركة فى التعبير عن حقهم فى ممارسة حرية الرأى والديمقراطية السياسية، وهو ما تجسد فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس الماضى.
هناك أمل كبير فى أن تحقق الثورة الشعبية فى 25 يناير أحلام المصريين فى التغيير، وهى الأحلام التى أجهضها النظام الفاسد السابق، ولا يشك أحد فى أن ذلك سوف يتحقق رغم حالة القلق والخوف من مرحلة المخاض التى يراها البعض قد طالت، ويخشى منها على مصير الوطن، لكن مصر ستتجاوز تلك المرحلة بالإصرار من الجميع على الحفاظ على الثورة ومكتسباتها، والبعد عن المطامع الصغيرة والانتهازية الرخيصة.