القانونيون جميعا يقولون إنه لا توجد مبادئ فوق دستورية، فالدستور هو الوثيقة التى تتضمن داخلها جميع الحقوق الأساسية للمواطنين والتى تحظى بإجماع، مثل الحق فى الكرامة، ومثل حرية العقيدة، ومثل جميع الكفاءة هى المعيار فى الاختيار للوظائف العامة، ومثل طبيعة النظام السياسى وكونه يقوم على التعددية السياسية واستقلال القضاء، وعدم تركز السلطة فى يد الأجهزة التنفيذية، وأن الانتخاب الحر وتداول السلطة تعبير عن حق الشعب فى الاختيار، وأن مصر دولة موحدة وعربية التوجه بحكم الموقع والموضع.
كل هذه المبادئ تحظى بما يمكن أن نطلق عليه نوعا من الإجماع بين القوى السياسية التى قامت بالثورة، كما أن الإعلان الدستورى الذى أعلنه الجيش تضمن أغلب هذه المبادئ.
ومن هنا فإنه يحق التساؤل لماذا يسرع العلمانيون والمجلس الوطنى ليضعوا وثيقة يقولون إن مبادئها حاكمة، وأنها ملزمة لمن سيضع الدستور فى المستقبل، هذا نوع من التحكم غير المقبول من قبل من قاموا بوضع هذه الوثيقة.
إن إحدى الوثائق التى طالعتها تقول إن مصر دولة مدنية، وإن الجيش هو الذى يحمى مدنيتها، رغم أن مصطلح مدنية مصلح غامض ولا تعرفه النظم السياسية فى العالم، ورغم أن متطرفى العلمانية يقولون إن العلمانية لا تقبل بالدين، ومن ثم فإن محاولة الإسلاميين إعطاء المدنية بعدا يتوافق مع وضع مصر والعالم العربى العربى بجعل مرجعية الدين هى الحاكمة.
أى أن الليبراليين والعلمانيين يريدون أن يقحموا الجيش فى السياسة ودهاليزها وفى الصراع السياسى لصالحهم فى مواجهة الإسلاميين، وفى مواجهة المجتمع ذاته والذى صوت أكثر من 18 مليونا لخارطة طريق واضحة للانتقال السلمى والآمن من الشرعية الثورية إلى دولة مدنية مصرية لأول مرة.
نقولها واضحة وبلا مواربة، إن جيشنا جيش وطنى، وهو من حمى الثورة، وهو من يصبر اليوم على مبالغات العلمانيين والليبراليين فى محاولة بناء ديكتاتورية صغيرة تفرض رأيها باسم الثورة على الدولة والمجتمع فى آن واحد، بيد أننا نقول له إننا نريد دستورا لا يكون للجيش فيه أى علاقة بالسياسة أو نص على تميز خاص له، لأننا نريد له أن يبقى مؤسسة وطنية جامعة تحمى الدولة والوطن لكل المصريين، وأن يتركز عملها فى الدفاع عن مصر والمصريين جميعا.
لاحظت فى وثيقة المجلس الوطنى أن مادة الشريعة الإسلامية قد وضعت على كره ممن وضعها، وذلك ليسوق أنه مع مبادئ الشريعة باعتبارها مصدرا للحكم وللتشريع، بينما أحاط واضعو هذه الوثيقة الخادعة بمواد أخرى عديدة تجعل من هذه المادة لا قيمة لها ولا معنى، فكما أن هناك مبادئ للشريعة الإسلامية فهناك مبادئ شرائع غير المسلمين ولا يمكن فهم ذلك إلا أن واضعى الوثيقة لم يريدوا على الإطلاق أن يضعوا أى شكل من الاعتبار لشريعة الأغلبية المسلمة، وهى شريعة تكفل بسماحتها وطبيعة تكوينها حقوق غير المسلمين فى مسائل الأحوال الشخصية، ومن ثم فإن الإشارة بهذا الشكل لمبادئ شرائع غير المسلمين نوع من إثبات صوت العلمانية فى مواجهة الأغلبية المسلمة.
كما أن الهوية العربية لمصر تاهت فى هذه الوثيقة لصالح الانتماء الأفريقى والانتماء الفرعونى والقبطى، ونحن نعتز بتلك الانتماءات بيد أن واضع الوثيقة أراد أن يجعل من الانتماء العربى لمصر كدولة وكشعب، وكأنه متساو مع تلك الانتماءات أو دونها، رغم أن انتماء مصر العربى الإسلامى هو روح الحياة ومعناها والتى نعيشها ونستنشقها.
ولا ينبغى أن تفوت علينا فى وثيقة المجلس الوطنى القول بالتعددية الثقافية للمصريين فنحن نقول بالتعددية السياسية للنظام السياسى، بيد أن القول بالتعددية الثقافية سوف يفتح علينا باب شر عظيم قد يقود لانقسام المجتمع حول هويات فرعية جديدة ذات طابع انقسامى، مصر دولة لا تعرف التعدد الثقافى، فثقافة أبنائها واحدة، كما أن الحديث عن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان باعتباره مصدرا حاكما للوثيقة يثير الرفض ويجعل من وثيقة من خارج النظام السياسى المصرى لديها قوة ملزمة وحاكمة بدون سبب مفهوم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة