تعالوا سوياً نراجع سيناريوهات الوقيعة.. أولاً يخرج شباب فى مظاهرات مناهضة للأوضاع فى البلد، وتغيب عنها الأحزاب بـ"ندالتها" المعهودة، وتتعامل معها قوات الشرطة بغشوميتها الأزلية، وتبدأ عصابات الحزب الوطنى فى العمل، ثم ينزل الجيش إلى الشوارع ببطء، ويتنحى الرئيس، وتبدأ مصر مرحلة جديدة من النضال لتغيير الأحوال، فى وقت يبدأ فيه كثير بمد أيديهم فى طبق الثورة، وأقدامهم ملوثة بقذارات الماضى.
ثانياً: يركب الإخوان المسلمون على الثورة، ويفتتحون مقرات جديدة ويقبلون أيدى المجلس العسكرى ويحشدون الغلابة للموافقة على الدستور بدعوى الدفاع عن الإسلام، ثم يلجأون للغمز واللمز على التيارات السياسية الأخرى، ويطاردون شباب الجماعة الراغبين فى التفكير، ويطردون الكوادر الراغبة فى الإصلاح، ويزيفون الأخبار عن ميدان التحرير، ويعملون على تخوين الليبراليين والعلمانيين، وينشئون فرقاً رياضية ومسرحية "والعياذ بالله"، ثم يكتشفون فجأة أن المبادئ الحاكمة للدستور "رجس من عمل الشيطان".
ثالثاً: خرج المتشددون من جحورهم، وتنفسوا هواء الحرية فلم يتحملوه وأصيبوا بالزكام وأصبح من الصعب أن تعرف معنى كلامهم، هل هم مع الثورة أم عليها، مع العمل السياسى أم ضده، سيقبلون بالديمقراطية أم يرفضونها، وعندما بدأ حديثهم يتضح، فضح نفعيتهم ونفاقهم للجماهير، ورفعوا مصاحفهم فوق سلاح التهديد والوعيد، وداسوا على الثورة التى أعطتهم الحرية بأقدامهم ونسوا أن الواحد منهم كان يستأذن من سيده فى لاظوغلى قبل أن يفتيك بأن الخروج على الحاكم" حرام" حتى وإن كان ظالما، ففشلوا سياسياً، وأساءوا لدينهم، عندما حاولوا أن ينافقوا سيدهم الجديد فى كوبرى القبة، قالوا إن المتظاهرين مخربين ومغتصبين وأنجاس، فيخسرون ما تبقى من دينهم، ولم ينالوا احترام سيدهم.
رابعاً: يشعر المجلس العسكرى بالضجر ويبدأ فى التململ من إصرار المتظاهرين على تنفيذ مطالب الثورة، معتقدا أنه يتحرك بالسرعة المناسبة، ومقتنعا بأن من صبر على الظلم الفقر والقهر لعقود من الزمان ، يستطيع أن يصبر عاما أو عامين ليرى التغيير، متناسيا أن فارق السرعات بين الجيلين كبير، ويعتمد على المنافقين الجدد الذين يحنون للاستعباد تحت شعار "الأغلبية الصامتة" وهم يعلمون أن الساكت عن الحق شيطان، حتى لو روى شجرة الاستقرار بدموعه على مبارك، عند هذه اللحظة يكشر المجلس عن أنيابه ويبدأ فى توزيع صكوك التخوين والعمالة، فى وقت يتمسك فيه الجميع بعدم التجريح فى المجلس أو أى من رجالاته حتى وإن هدد الشعب بإصبعه، بنفس المنطق السابق"نحن نعلم أكثر منكم ..هذا البلد مستهدف" ، وتعمل آلة الإعلام الفاسق بأقصى سرعة للتحذير من التخريب والانقسام والانهزام و التآمر والتخابر ، والصراخ والعويل على عجلة الانتاج المخرومة، وهيبة الدولة التى أصبحت مهترئة.
خامساً: يشعر المتظاهرون باليأس ويلمون حاجياتهم ويبدأون فى العودة لديارهم بعد أن تملكهم الإحباط والفشل مرتين الأولى فى إقناع الشعب بأن الثورة على الظلم واجبة، والثانية لإقناعه بأن الثورة قامت بالفعل وتنتظر منهم بعض الصبر.
سادساً وأخيراً: أكبر دليل على أن هذه الثورة لم تنجح بعد، أنها بدأت بالله الموفق ورغم ذلك انتهت بالوقيعة ولم يفلح معها"إيماناً منا".