«كحكة حمراء» كبيرة مثل تلك التى كانت تزين شهادات الخائبين فى مدارس الابتدائى، تزين الآن صدور عدد كبير جدا من أهل النخبة والحركات السياسية ونجوم المجتمع المصرى، قد تغضب إن قلت لك إن ملخص الأمر يعنى أن مصر نفسها حصلت على «كحكة حمراء» فى أول اختبار للديمقراطية بسبب حالة اللف والدوران والغضب من الانتقاد، وادعاء كل تيار سياسى أو دينى أو حتى عسكرى امتلاك الحقيقة المطلقة دون غيره، والاستمرار فى استخدام نفس أسلحة النظام السابق.. التخوين والعمالة.
أنا لا أقول مثلما قال الطويل أحمد نظيف من قبل إننا لم ننضج ديمقراطيا بعد، ولا أعلن مثلما أعلن اللواء «كاطو» عن افتتاح حضانة تعليم الديمقراطية للشعب المصرى الذى يراه فى «كى جى وان» دمقرطة، ولكن أقول إننا فشلنا فى تجاوز مرحلة ما بعد القمع والقهر والكبت وتكميم الأفواه وأطلقنا العنان لأنفسنا نجرى قبل أن نمشى، رغم أننا مازلنا فى مرحلة الحبو.
الاعتراف بالفشل لا يمنح «الفلول» فرصة الشماتة، ولا يمنح اللواء «كاطو» طلبات أكثر للانضمام إلى حضانته، بل يمنحنا نحن فرصة للصدق مع النفس والشفافية والمراجعة، وبالتالى البدء من جديد وعلى «ميه بيضاء» كما يقولون.
سأعود إلى «الكحكة الحمراء» والحاصلين عليها، لكى تتأكد بنفسك أننا فى حاجة إلى بداية جديدة، وتعرف بنفسك أن الديمقراطية والحرية التى سالت الدماء فى السويس وعلى أرض التحرير من أجلها لا تعنى أبدا كل هذا التخوين والإقصاء والفوضى والسفسطة والاستهبال، انظر إلى الأحزاب الليبرالية واليسارية وهى تتحول إلى نماذج مباركية صغيرة، وكل واحد من نخبتها المثقفة يتحول إلى مخبر أمن دولة وهو يرفض دعوة التيار الإسلامى للنزول فى الميدان اليوم 29 يوليو، انظر إليهم كيف لفوا وداروا وتلونوا لتحويل خوفهم ورعبهم من أن يملأ الإسلاميون الميدان ويؤكدون للناس أنهم الأقوى تنظيما والأكثر انتشارا، إلى كلام من نوعية مصر لم تعتد تحتاج للتظاهر وحان وقت الهدنة والوحدة، والنزول إلى الميدان قد يعنى الاشتباك والعراك.
هذا ليس دفاعا عن التيار الإسلامى ودعوته النزول إلى الميدان، ولكنه تعجب من محكمة تفتيش النوايا التى نصبها أهل الحرية للتيار الإسلامى وإصرارهم على إقصائه من مشهد الميدان، بحجة الخوف من سرقته، بينما أصل الحقيقة يتعلق بخوفهم هم من فضيحة اكتشاف حجمهم مقارنة بحجم التيار السياسى الإسلامى وقدرته التنظيمية فى الشارع المصرى.
«الكحكة الحمراء» تتجسد بكل صورها، فى ضيق صدر المجلس العسكرى للانتقاد ولجوئه للتخوين واتهامات العمالة بدلا من الحوار والنقاش، وتتجسد «الكحكة الحمراء» بألوان أكثر «زهزهة» فى حالة الاستعلاء التى يعانى منها أغلب شباب الائتلافات الرافضين دوما للنقد والرأى الآخر، رغم أن ذلك يمثل أول عتبة فى سلم الديمقراطية الذى يرغبون فى صعوده، دون أن يدركوا أن الصعود المنفرد والإقصائى والمتكبر على هذا السلم تحديدا يعنى أمرين لهما بكل تأكيد ثالث.. الأول هو السقوط على جذور الرقبة وأنتم تعرفون الباقى، والأمر الثانى أن يصعد الصاعدون وقبل الوصول إلى العتبة الأخيرة من السلم يفاجئهم أحدهم بقفزة للنهاية منصبا نفسه ديكتاتورا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما الأمر الثالث أن ينهار سلم الديمقراطية فوق رأس الوطن بأكلمه من شدة غباء الصاعدين فوقه!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة