من نكون؟ هو سؤال مصيرى لأى أمة أو مجتمع، فبالإجابة عن هذا السؤال يتم تحديد تعريف أنفسنا وتمييزنا عن غيرنا من الهويات والأقوام والجماعات.
وفى علم السياسة والاجتماع المعاصر فإن الأسئلة المركزية له لم تعد حول البواعث الاقتصادية التى كان التحليل الماركسى يتبناها، وإنما أصبحت حول المعانى مثل الكرامة الإنسانية، مثل الظلم السياسى والاجتماعى، مثل العدالة الاجتماعية، مثل احترام الآخر، مثل شروط الحياة الآمنة، مثل تحسين الحياة اليومية للإنسان بحيث لا يشقى ولا يضحى.
التحليل الثقافى أصبح هو المدرسة السائدة لفهم ما يجرى فى المجتمعات كلها، وتواكب ذلك مع صعود عودة الإنسان للدين والبحث عن اليقين فيه، فلم تعد الحداثة ولا ما بعدها تستطيع الإجابة عن أسئلة الإنسان المعاصر الحائرة، ومن هنا كانت العودة للدين ليس فى مصر والعالم العربى، وإنما فى الدول الغربية ذاتها، وأنا أحيل هنا فقط إلى كتاب جيل كيبل بعنوان «ثأر الله.. الحركات الأصولية المعاصرة فى الديانات الثلاث».
فالعلمانية والحداثة الغربية لم تلبِّ أسئلة الإنسان المعاصر فى الغرب والشرق عن الكون والحياة والمصير والفعل الاجتماعى، بل إن نظم الحداثة الغربية القائمة على فكرة العقلانية والرشادة والابتعاد تمامًا عن المؤثرات الروحية والغيبية والباطنية الداخلية تحولت إلى ما سمَّاه ماكس فيبر عالم الاجتماع الدينى الألمانى «القفص الحديدى»، وهناك حركات فى الغرب تتحدث عن تحرير الإنسان من هيمنة النظم ذات الطابع العسكرى والبيروقراطى والتى همشت الإنسان وشيأته، أى حولته إلى مجرد مادة بلا روح، وهنا أحيل فقط إلى الكتاب المهم للكاتب الشيوعى الفرنسى «آلان تورين» بعنوان «نقد الحداثة»، فهو فى كتابه ذلك يتحدث عن استعادة الإنسان المعاصر لقدرته على الفعل الاجتماعى ونيل حريته فى أن يعبر وأن يعتقد وأن يكون فى النهاية حرّا.
ومن المعروف أن الصراع والتدافع والاصطدام حول قضايا الهوية والمعنى والإنسان يكون فيها قدر من الحدة مختلف عن الصراع حول القضايا الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، فسؤال الهوية هو السؤال الأكبر بالنسبة للمجتمع وبالنسبة للإنسان، من نكون؟
وفى مصر لدينا هوية راسخة وقوية لا يمكن لفعل وعوامل التغير أو التطور أن توهنها، تلك الهوية هى العربية الإسلامية، العروبة والإسلام هما الهوية الأكبر والأعمق لمصر، بالطبع هناك هويات فرعية تظهر بين الحين والآخر، وفى أوقات التحولات والأزمات مثل الهوية الفرعونية المصرية المغلقة على تاريخ لم نعد نراه إلا فى المومياوات التى نتسلى برؤيتها ونتعظ من قوة حضارتها التى كانت، وهذه الهوية لمصر قد ظهر مناصرون لها فى مطلع القرن العشرين، كما ظهرت فى منتصف السبعينيات، بيد أن عروبة مصر وعدم عزلها عن محيطها العربى وإسلامية مصر التى تسرى فى عروق أبنائها وحضارة مصر الإسلامية التى كانت نتاجًا مشتركًا بين المسلمين والمسيحيين واليهود الذين أقاموا فى مصر هى الأسس التى رسمت معنى الهوية لمصر وأجابت عن سؤالها.
فالمصريون هم عرب مسلمون، شاركوا فى بناء حضارة استمرت لأربعة عشر قرنًا كانت تعبيرًا عن التسامح والتعاضد والتآلف والشعور بالراحة والاطمئنان إلا أن هذا التعريف لنا كمصريين يعبر عن أشواقنا وعن مصيرنا المشترك مع الشعوب المحيطة بنا ويعبر عن قدرتنا على تجاوز اللحظة الراهنة التى نواجهها.
من هنا فإن الحديث عن هويات فرعية، وأن الهوية مسألة متغيرة، والتعددية الثقافية بمعنى فبركة هويات فرعية جديدة، هو نوع من العبث، وتبقى حقيقة أن مصر عربية إسلامية هى الإجابة الوحيدة والممكنة عن سؤال الهوية فى الحاضر والمستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة