لا يحتاج السائر فى شوارع المحروسة أن يكون صاحب خبرات فى التحليل، ليؤكد أننا نعيش فى حالة عشوائية تزيد مظاهرها يوما بعد يوم. كما لا يحتاج الإعلام المصرى الحالى، خاصة وعامة، إلى محللين من طراز رفيع لكى يؤكدوا لنا أننا- إعلامياً- فى حالة عبثية كاملة الأركان تبدو كل المنابر فيها متقاطعة، كأنها المنصات المنصوبة فى ميدان التحرير، حيث لا أحد يستطيع أن يتبين بدقة أصواتها المتداخلة الصارخة، وبالتالى لا أحد يتوقف ليحسن السمع أو النقاش فى مثل هذا الظرف.
وفى إطار الحالة الإعلامية العبثية يجد المشاهد نفسه محاصراً ببعض الوجوه المتكررة، ليس من برنامج لآخر، ولكن من كرسى لآخر، فمرة تجده مذيعاً، ومرة تجده ضيفاً، المهم أن يكون موجوداً، ملحاً فى وجوده، والأمثلة كثيرة جداً.
ولكن أكثر المواضع الإعلامية غرابة وعبثية هى وضع مستشار رئيس الوزراء السياسى الدكتور المعتز بالله عبد الفتاح الذى لم يكتف بكونه ضيفاً متكرراً من برنامج لآخر، ومن محطة لأخرى، ولكنه قرر أن يكون مذيعاً لبرنامجين، أحدهما على قناة «التحرير» الجديدة، والآخر على قناة «الجزيرة مباشر».
لا أستطيع أن أنكر أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة رجل بارع فى الحديث، والتحليل السياسى، حتى لو اختلفت معه، ولكن الأمر هنا ليس مقصده تقييم براعة الضيف أو المذيع، ولكن تقييم حالة عبثية لا فصل فيها بين منصب وموضع على الخريطة الإعلامية، ويبدو أن الدكتور لا يستطيع أن يدرك الفارق بينهما، بل الأغرب أنه لم يستطع أن يفصل بين وظيفته كمستشار لرئيس الوزراء، وبين رئيس الوزراء نفسه، ففى إحدى حلقات برنامجه على قناة «التحرير» متحدثاً عن التغيير الوزارى أُقسم أن أى مشاهد لو لم يكن يعرف شكل عصام شرف لتصور أن الدكتور المعتز بالله هو رئيس الوزراء، وذلك ببساطة لأن الرجل كان يتحدث عن التعديلات الوزارية، كأنه صاحب كل قرار فيها، حتى إنه كان يتحدث عن كيف كان يلتقى بالمرشحين، ويجلس معهم ويختارهم.
أدرك أن اللحظة الراهنة الملتبسة العبثية تدفع الكثيرين لأن يلحقوا بمكاسب كثيرة أو قليلة، ولكن أتعجب أن يصل الأمر لمكتب رئيس الوزراء ومستشاريه، فحالة الدكتور المعتز بالله تدفعنى لأن أسأله كما سألت الراحلة مارى منيب، عادل خيرى فى مسرحية «إلا خمسة»: «إنتِ جايه إشتغلى إيه؟»، ثم أذيل الحديث بعبارة عبدالفتاح القصرى «عجبت لك يا زمن!»، رحم الله موتانا، ويجعله عامر.