لم يكن هدف ثورة 25 يناير خلع الرئيس مبارك وإزاحته عن الحكم فقط, بل كانت تهدف فى الأساس إلى إزاحة وإسقاط نظام بأكمله وصل إلى أقصى درجات الفساد والإفساد, نظام أغفل حقوق الشعب وأصم أذنه عن سماع ألامه ومطالبه, نظام امتلأ خطابه بالأكاذيب ومحاولات التخدير, فوصف الاحتجاجات والتظاهرات بالشغب ووصف المتظاهرين بالبلطجية الذين تدفعهم أيادى خارجية تسعى لنشر الفوضى وهدم الاستقرار, نظام زور كل شىء, ففضلا عن تزويره الدائم لإرادة الشعب كانت كل أرقامه وبياناته واستطلاعاته كاذبة, وخاصة ما يتعلق منها بأعداد ضحاياه فى كل كارثة أو مظاهرة, نظام كانت لا تظهر قوته إلا حين تبطش بالمواطن وتقهره وتنتهك أدميته بينما لا تهتم بحمايته وتوفير أمنه وأمانه.
ومع نجاح الثورة التى أعادت الروح لمصر وأعادت الكرامة للمصريين ظننا جميعا أننا أسقطنا هذا النظام، وأسقطنا معه كل هذه المظاهر وأنها لن تعود أبدا، ولكن مع الاشتباكات والمظاهرات التى وقعت بميدان التحرير مساء الثلاثاء الماضى وما سبقها من أحداث متتالية والتى تشابهت تفاصيلها إلى حد كبير مع ممارسات نظام مبارك البائد يطرأ إلى الأذهان سؤال هام: هل كانت الثورة حلما استيقظنا منه لنجد أنفسنا ما زلنا نعانى من عيوب نظام مبارك وأسلوبه وطريقته؟ وهل عاد نظام مبارك ليحكمنا من جديد؟ يترك الأزمات والآلام تتفاقم حتى تنفجر تماما كما يحدث الآن مع أسر الشهداء والمصابين الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم ثمنا لكرامتنا وحريتنا وحتى تنجح ثورتنا فى إسقاط هذا النظام الفاسد, فإذا بحكومة الثورة تهملهم وتتجاهل مطالبهم وتتراخى فى القصاص لهم ومحاكمة من سفكوا دماءهم وعلى رأسهم الرئيس المخلوع ووزير داخليته, بل ولا يزال كثير من الضباط والقيادات الذين سفكوا دماء مئات الشهداء طلقاء يمارسون ضغوطهم ومساوماتهم على أسر الشهداء للتنازل عن حقوقهم, وهو ما دفع عددا من هذه الأسر للاعتصام والتظاهر مطالبين بسرعة القصاص من قتلة أبنائهم, بينما يعانى الآلاف من مصابى الثورة أشد المعاناة وتتعرض حياة الكثيرين منهم للخطر لعجزهم عن استكمال العلاج, ولا تجد أسرهم وأسر الشهداء ما يسد الرمق، بينما تهملهم حكومة الثورة طوال هذه المدة, ولا يلقون منها سوى وعود لم يتحقق أى منها حتى الآن, وحين يصل البعض منهم إلى حد الانفجار بعد أن أصمت الحكومة أذنها عن السماع لصرخاتهم تتعامل وزارة الداخلية معهم بكل عنف وتنهمر فوق رءوسهم القنابل المسيلة للدموع وبنفس تفاصيل المشاهد والتصريحات المحفوظة من عهد النظام البائد, نفس المشاهد بكل تفاصيلها, أمن يلقى بالقنابل على المتظاهرين الذين يستخدمون الحجارة فى مواجهة هذه القنابل, وتصريحات مسبقة تصف المتظاهرين بالبلطجية قبل أن تبدأ أى تحقيقات, وتصريح لمسئول بمجلس الوزراء يؤكد أن عدد المصابين فى المظاهرات 10 فقط فى الوقت الذى وصل عددهم إلى أكثر من 1000 مصاب, وتأكيد لوزير الداخلية أن قوات الأمن انسحبت فى نفس الوقت الذى تلقى فيه قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين!!.
كل هذا يوحى بأننا مازلنا لم نتخلص من أساليب نظام مبارك, حتى وإن كان تصاعد الأحداث تم بتخطيط من أعضاء الحزب الوطنى المنحل كرد فعل للحكم بحل المجالس المحلية وحتى وإن كان هناك فلول تسعى لبث الفتنة أو لاستغلال الأحداث فى إشعال الموقف بين الحكومة والشرطة والمجلس العسكرى من جهة وبين الشعب من جهة أخرى, فكل هذا لا يعفى الحكومة من المسئولية, فمن الذى تراخى فى محاكمة القتلة وأهمل حقوق أسر الشهداء والمصابين وترك الأمور حتى تفاقمت ليمنح الفرصة لهذه الفلول لاستغلال الأحداث, لينفجر الغضب الذى يكاد أن يحرق الجميع؟.
وإن كانت حكومة الثورة لن تستطيع أن تتخلص من أسلوب نظام مبارك فى التعامل مع المشكلات والأزمات فمن حقنا أن نسأل هل نجحت الثورة أم أن نظام مبارك لم يسقط بعد وما زلنا نحتاج إلى ثورة؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة