التقرير الذى أصدره مركز أولاد الأرض عن حجم الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات العمالية والفئوية خلال النصف الأول من العام الحالى، ينذر بحجم الخطر الذى تتعرض له مصر داخليا بعد ثورة يناير، ويظهر مدى العجز والارتباك الذى تعانى منه الحكومة فى مواجهة تلك الاحتجاجات، وإيجاد حلول عملية لها.
فى ستة شهور فقط – أى منذ يناير إلى يونيو 2011- شهدت مصر أعنف موجة احتجاجات عمالية عبر تاريخها، عبرت عن حجم المأساة التى عاشها العمال وفئات كثيرة فى المجتمع فى الثلاثين عاما الماضية، ومنحتها ثورة يناير فرصة ذهبية للتعبير عن مطالبها بوسائل عديدة، رغم السلبيات التى نتجت عن الاحتجاجات والإضرابات العمالية، وكان لها انعكاسها السيئ على حركة الإنتاج والعمل، ومجمل الاقتصاد القومى.
تقرير أولاد الأرض يرصد نحو 956 احتجاجا عماليا، تمثلت فى 338 اعتصاما، و158 إضرابا، و259 تظاهرة، و161 وقفة احتجاجية، و40 تجمهرا، أى بمتوسط 6 إلى 7 إضرابات يوميا، فيما يشبه الانفجار الاجتماعى فى كل أرجاء ومناطق الانتاج فى مصر، إضافة إلى اعتصامات أخرى من نوعية أهالى الدويقة، ومخيمات السلام، والأئمة المستبعدين أمنيا.
حجم الاحتجاجات يعكس مدى الانهيار الشامل، سواء على المستوى الاجتماعى والاقتصادى، أو على مستوى التنظيمات النقابية والعمالية التى تيبست طوال العقود الثلاثة الماضية، ولم تكن معبرة بشكل حقيقى عن واقع الحركة العمالية فى مصر، وسيطرت عليها رموز الحزب الوطنى المنحل التى وظفت الاتحاد العام لنقابات عمال مصر لصالح النظام السياسى السابق، وأهملت حقوق ومتطلبات ملايين العمال فى كل مواقع العمل والإنتاج، ومع سقوط النظام، وقيام الثورة، خرجت تلك الفئات المظلومة تصرخ بحقوقها المهدرة.
لكن تلك الاحتجاجات أيضا عكست عجز الحكومة فى مواجهتها، وإيجاد صيغة تفاوضية مقبولة لوضع الحلول المناسبة لها، سواء على المدى القصير أو الطويل واكتفت فقط بالمناشدات والاستجداء بوقف الاحتجاج والتظاهر. ندرك أن الحكومة الحالية لا ذنب لها فى الأسباب التى أدت إلى هذا الانفجار الاجتماعى، لكنها حكومة ارتضت تولى المسؤولية فى فترة انتقالية حرجة، وبالتالى مطلوب منها وضع حلول غير تقليدية، حتى لوكانت خصصت وزارة خاصة لإدارة أزمة الاحتجاجات المتصاعدة يوميا فى مصر، بدلا من التخويف من استمرار الظاهرة بفزّاعة الانهيار الاقتصادى.