فى الأربعاء، 18 مايو 2011 كتبت مقالاً باليوم السابع بعنوان: التسعة البيض وفزاعة الانهيار الاقتصادى، والتزاماً بالموضوعية ذكرت فى بداية المقال أننى لست متخصصًا فى أمور الاقتصاد، ولست خبيرًا فى الشئون المالية، ولا أفهم كثيرًا فى مسألة معدلات التضخم وحجم الدين العام، سواءً كان محليًا أم خارجيًا"، وكنت أعرف أننى بهذا الاستهلال أترك فرصة للمتربصين على ما سأطرحه ليقولوا: ومادام أنت مبتفهمش فى الاقتصادى بتفتى ليه؟ وهو ما حدث بالفعل، لكنى حرصى على الموضوعية ذكرت هذه المعلومة لكى لا أضلل أحداً، وفى سياق هذا المقال قلت إن هناك تضخيماً متعمداً فى بعض الأخبار والتحليلات يهدف إلى إشعار الناس بخطورة الوضع الاقتصادى لتصوير الأمر كما لو كنا فى كارثة محققة، ومع اعترافنا بأن الوضع الاقتصادى غير مرض على الإطلاق، لكن السيئ فى الأمر هو أن تناول الأزمة الاقتصادية على بهذا الشكل يوحى بأن الثورة هى التى تسببت فيه، متناسين أن وضعنا قبل الثورة كان كارثيا أيضاً، وأن اقتصاد مصر كان هشاً لدرجة كبيرة، وأن معدلات التضخم وضعف محصلات العملة الصعبة لم يكن خطأ الثورة بأى حال من الأحوال، وإنما كان ميراثاً ثقيلاً ورثناه من نظام مبارك المتهاوى، وبمجرد أن تم نشر المقال انهالت التعليقات السلبية التى تسب وتلعن فى الكاتب.
انتشرت الشتائم والاتهامات فى التعليقات، لأنى أعبت على النظام السابق اعتماده على السياحة فى دخله القومى، وقلت إن النظام السابق حول مصر إلى ما يشبه الكافيتريا الكبيرة وإن البلاد التى تريد أن تتقدم لا تعتمد بشكل أساسى على السياحة، لأنها غير ثابتة على الدوام، وأن أى كارثة طبيعية أو سياسية أو طائفية تؤثر فيها، وأن من يريد أن يبنى اقتصاده على أموال السياحة كأنه يبنى بيته على جرف هارٍ محاطٍ بالرياح والأمواج والأمطار، والزلازل والبراكين، وذكرت فى توصيف المشكلة أن "مبارك ومن معه لم يسهموا بأى شكل فى أن يجعلوا اقتصاد مصر قويًا وراسخًا، وكانوا يديرون البلد على طريقة "رزق يوم بيوم"، أو كما قال أحد المقربين إليه بطريقة "عندنا إيه النهارده"، وبناء على هذه السياسة الفاسدة أصبح اقتصاد مصر هشًا، بعد أن سرق رجال الأعمال من الوزراء وأصدقائهم الأراضى والمصانع وحولوها إلى منتجعات ومتنزهات، وكان كل سارق منهم يستولى على آلاف الأفدنة، مدعيا أنه سيستصلحها أو سينشئ بها منطقة صناعية ثم نفاجأ به "يسقعها" ثم يبيعها أو يحولها إلى قرى سياحية تدر عليه المليارات، دون أن تكلفه شيئاً، بعد أن حصل على الأراضى بملاليم وبناها بملايين القروض، فلا هو زرع ولا هو صنع ولا هو بنى ولا هو اشترى، فقط سرق وسرق وسرق.
انهالت التعليقات الساخرة على كاتب المقال باعتباره واحداً من القلة المندسة التى "خربت مصر"، فقال أحد السادة القراء الذى علق باسم "واحد فاهم": يعنى حضرتك بمنتهى البساطة كده قررت تقول لـ 2 مليون مواطن شغالين فى السياحة ورجال أعمال بانيين فنادق ومديونين من بنوك وناس تانية شاريين أتوبيسات وخلافه بتقولهم... فرااااااااااااااااااااااااااااااامل... إحنا مش حنبنى اقتصادنا ع السياحة إحنا حنعمل حاجة تانية بس هى إيه لسه مش عارفين"، وقال آخر: أولاً لما حضرتك مش بتفهم فالاقتصاد كاتب مقاله عنه ليه، ثانيا: إللى بيخرجوا علينا يقولوا الأرقام ديه مش فلول الحزب الوطنى مثلاً، لكنهم شخصيات مسئولة زى وزير المالية وزى المشير طنطاوى بنفسه فى احتفال تخريج الدفعة الاستثنائية، ثالثاً: الناس كلها سواء عامة أو متخصصين بتقول إن الأحوال الاقتصادية الزفت إللى إحنا فيها بسبب الثورة يبقى ليه نكابر بقى ولا هى الثورة ديه ما بتغلطش وكله زى الفل، بينما قال الأستاذ أبو عز: قطيعة تقطعك إنت وميدان التحرير يا أخى فى يوم واحد، وقال الأستاذ أبو باسل: مقال تافه وأتفه ما فيه النكتة وطالما الكاتب لا يفهم فى الاقتصاد بيفتى ليه.
تذكرت هذه التعليقات التى كانت تعبر عن رأى شريحة ليست بالقليلة من المواطنين، سواء كانوا صادقين أو مغرضين، حينما أتى مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وبانى نهضتها الحديثة، وهو يدلى بوصاياه للمجتمع المصرى إن أراد النهوض، فقال "الزميل" مهاتير بحسب ما كتبته الزميلة همت سلامة والزميل أكرم سامى فى اليوم السابع: إن الاقتصاد المصرى يجب أن يعتمد على الصناعة، خاصة الصناعات الثقيلة وليس على السياحة، لأن الصناعة تخلق فرص عمل، كما قال إن فى مصر مساحات صحراوية شاسعة يمكن أن يستفاد منها كثيراً فى زيادة الرقعة الزراعية, منتقدا اعتماد النظام السابق على السياحة فقط فى دخله القومى، وبمجرد أن قال "محمد" هذه التصريحات نقلتها وكالات الأنباء وأذاعتها وبدأ الكثيرون فى النظر إليها باعتبارها الروشتة الشافية من أمراضية المستعصية، غير أننى لم ألمح من يهاجم مهاتير محمد على هذا الكلام أو يدعى أنه من القلة المندسة التى أفسدت البلد أو من يقول له "قطيعة تقطعك أن وميدان التحرير فى يوم واحد" أو من يقول له: ومادام أن مبتفهمش فى المهاتير بتهاتر ليه؟
لم يقل مهاتير محمد، إن الثورة سببت انهيار الاقتصاد، ولم يقل أن الدنيا كانت معدن والعجلة كانت ماشية بينما منهم لله بتوع التحرير سبب البلاوى، ولكنه أعاب على مبارك سياساته الاقتصادية التى لم تنشئ مصنعاً ولم تخضر يابساً، فهل بانى نهضة ماليزيا هو الآخر لا يفهم فى الاقتصاد؟ وهل كان بينه ومبارك "تار بايت" فأراد أن يخلصه؟ أم أنه أحد المخربين الهادمين الماسونيين المأجورين؟ أم أنه عضو فى اتحاد القلة المندسة التى لا تريد خيراً بالبلاد ولا العباد؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة