عادت البلطجة لتفرض نفسها على المناقشات والمجادلات، واستغرق كثيرون فى تعريف البلطجى ومواصفاته. وانخرط مثقفون فى استخراج الأساس التاريخى والجغرافى للبلطجة، بينما سارع البعض لنفى وجود البلطجة من الأساس. وكل هذا ضمن سجال الإساءة للثورة أو الدفاع عنها. والذى غطى على جدل الدستور والانتخابات. لم يعترف أحد بأن البلطجى إنسان موجود بيننا، له حياته وطموحاته. وكثير من هؤلاء اضطروا لهذا العمل تحت ضغط الفقر والبطالة، وحلموا يوماً بأن يتوبوا ويحصلوا على حقوق المواطنة.
وكما قلنا فالبلطجى ليس هو الذى يقذف الحجر ويمسك السنجة. بل هو الذى يريد فرض رأيه بالقوة، فى السياسة أو المال، ولهذا سوف نرى قائدى سيارات فخمة يعتدون على القانون علنا ويغلقون الشوارع ويطلقون النار، ونعرف رجال أعمال وأثرياء لم ينتظروا القانون بل يسعون لتنفيذه بأنفسهم، وعصابات الاعتداء على أراضى الدولة وأراضى الآخرين، بتوظيف بلطجية هم فى الغالب فقراء تم استغلال فقرهم وحاجتهم للاعتداء على الآخرين، وكان رجال الحزب الوطنى، يوظفونهم فى الانتخابات للانتقام من المنافسين والخصوم وإرهابهم. البلطجة كظاهرة كانت نتاجا للفساد السياسى والظلم الاجتماعى خلال عقود.
وبالتالى علينا التفرقة بين البلطجة بشكل عام، ومحاولة خلطها بالثورة. فى التحرير هناك استخدام مزدوج للبلطجة، وخلط عمدى بين شباب الثورة وبين الباعة الجائلين والبلطجية الذين تسللوا إلى الميدان وأصبحوا يحتمون فى الشباب. ويخالفون القانون، فإذا طالبهم أحد بالالتزام فإنهم يرفعون أصواتهم ويحتمون بالميدان. ويمكن التفرقة فى ميدان التحرير بين شباب الثورة وهؤلاء ينظفون المكان ويحرصون على شكله الحضارى، وبين عدد كبير من الباعة والمتاجرين بالثورة سواء تجار الأعلام ومن يضعون عرباتهم وبضائعهم فى الميدان، وهم لايختلفون كثيرا عن المتاجرين بالثورة فى الإعلام والفضائيات، وبعضهم كان ضمن الفلول ومازالوا متهمين فى قضايا فساد وركب الموجة وأصبحوا أعلى صوتا.
وهنا فإن البعض من حيث أراد الدفاع عن الثورة، دافع عن البلطجية وأنكر وجودهم مع أنهم موجودون وواضحون، وهم ليسوا من ينفذون الجرائم بل من يدفعوا من أجل تنفيذها لصالح كبار المجرمين.
لقد كانت البلطجة طوال السنوات الأخيرة ظاهرة سياسية واقتصادية، والبلطجية ليسوا هم من يرتدون الملابس الممزقة أو تزدحم وجوههم بالندوب من أثر المعارك، لكن الأكثر احترافا فيهم لاتبدو عليه تلك العلامات، ولنتأمل وجوه قيادات الوطنى ورؤساء مجالس الشعب والشورى ولجنة السياسات مثل: سرور وعز وصفوت وغيرهم، فقد كانوا يمارسون بلطجة سياسية، ويتلاعبون بالقانون، ويزورون الانتخابات، وهم من صنع ظاهرة البلطجة، والمحترفون الذين يمثلون خطراً على المجتمع مالم يتم إعادة هيكلتهم وإدماجهم فى المجتمع. الأمر لايحتاج إلى تهوين أو تهويل أو سفسطة بل يحتاج إلى نظرة، بعيداً عن ازدواجية تسلى المتفرجين ولا تروى عطشانا.