اعتصامات التحرير ومليونية الجمعة أصبحا عاملى التغيير، قبل جمعة أبريل تمت إحالة مبارك للتحقيق وكذلك صفوت الشريف وزكريا وسرور، بالأمس جرت حركة تطهير للشرطة قبل موعدها. لا أحد فى المجلس العسكرى والحكومة يتحرك دون ضغط. الحاجة للتحرير مستمرة، لأنها روح الميدان.. الأغلبية تذهب للتحرير وهى تحلم بالوحدة والاتفاق، لم ننتهِ من إنجاز مطالب الحرية والعدالة والمساواة، حتى نتفرغ لترف الجدل العقيم.
بعيدا عن الميدان يبدو المشهد أكثر انقساما، بين التيارات وأيضا بين الأفراد. فيروس خلافات الخارج انتقل إلى الميدان. باستثناء هؤلاء الذين يذهبون مثلما فعلوا أول مرة بدون حسابات، تجدهم منخرطين فى مناقشة حامية، عن المطلوب والمستقبل والخطوة القادمة.
يرفعون علم مصر بصدق، ويهتفون بقلب، تعرفهم من ابتسامتهم وهدوئهم وغضبهم وتواضعهم، ليسوا وجوها مألوفة فى الفضائيات. الميدان بالنسبة لهم مكان تغيير وليس مجالا للفرقة والصراخ فقط، ليسوا الأعلى صوتا لكنهم الأكثر صدقا.
هؤلاء القادمون من قرى ومدن المحافظات، ومن أحياء القاهرة ممن لا يملكون «اكسيس» أو جواز مرور إلى الإعلام وحفلات الكلام. ليسوا نجوما، لكنهم شاركوا فى الثورة دون أن يحرصوا على التقاط صورهم وهم يهتفون ليحتلوا الشاشات ويعلنوا أنفسهم «الثورة». وليسوا هم من يحددون البرنامج، بل يحدده الأكثر صورا والأعلى صوتا.
على صفحة «كلنا خالد سعيد» استطلاع حول أهم خمسة مطالب، وجاءت: سرعة وعلانية محاكمات رموز النظام السابق، وضع حد أدنى للأجور يضمن حياة كريمة للمصريين، إعادة هيكلة الشرطة، وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، الشفافية مع الشعب فى اتخاذ القرارات، عودة الشرطة بقوة إلى الشارع.. فهل هذه هى المطالب التى سيتفق عليها الفضائيون؟ قالت «كلنا خالد سعيد» إن «85 مليون مصرى محتاجين يشوفوا تغيير حقيقى ويحسوا بتأثير الثورة الإيجابى على حياتهم وعلشان كده محتاجين نسرع من القرارات اللى بتغير الأوضاع السيئة.. ومحتاجين نحس إن اللى قمنا بيه ثورة تطهير حقيقية مش مجرد نزوة غضب ويرجع الوضع زى زمان».
هذه الجمعة ستحدد ما إذا كان التحرير، كما هو، قادرا على استعادة روح الميدان، وأن يدخل الواحد فيصبح بقوة مليون، أم أنه سيبقى فى اتجاهات متعارضة؟ الناس لم تعد تطمئن لبعضها خارج الميدان، جماعات تعطى ظهرها لبعضها البعض، وترفع شعارات مضادة وتسخر من بعضها البعض. والحل أن ينتقل الميدان ليسكن قلوب الثوار والشباب ويمنحهم يقينا بلا نرجسية، أن يتصدر الثوار الثورة وينحوا المتاجرين والمتحدثين من أصابعهم، ويعلموا أن التحرير أصبح روحا تسكن المكان وروحا تسكن القلوب، ويمكنها أن تكون دافعا للفعل وليست دافعا للفرقة والانقسام. الحل أن يخرج التحرير من الميدان إلى مصر، وتسكن روحه الشوارع، ويتصدره صناع الثورة وليس لصوصها.