كل سنة وأنت طيب.. رمضان كريم يا صديقى، وبالتأكيد رمضان الثورة أكرم من رمضان مبارك، كل عام وأنت إلى الإخلاص أقرب وفى النوايا الطيبة والصدق مع النفس غارق، كل عام وأنت أكثر تفاؤلا بوطن عاد بعد سنوات من التيه والضياع، ولكن بقيت طقوسه وعادته المفرحة عالقة فى منطقة ما، وأعتقد أننا الآن أحوج ما نكون إليها.
اليوم هو الأول من الشهر الكريم ومع ذلك مصر مازالت «قرعة»، الشهر الكريم بدأ ولم تحتضن البلكونات الفانوس المعتاد بتاع كل سنة، حتى البلكونات التى أسعدها الحظ بذلك كانت فوانيسها عادية وتقليدية ومملة وعليها تراب المخزن الذى كانت فيه منذ العام الماضى، طبعا لا أنكر أن إعلانات المسلسلات والتافه من البرامج واللف والدوران لاستغلال الثورة تليفزيونيا والكثير والمختلف من الياميش تنتشر فى كل مكان وتخبرك فى كل ثانية أن رمضان بدأ.. ولكن الأمر لم يكن يسير على هذا النحو منذ 20 سنة، وتحديدا حينما كنت طفلا أشعر بفرحة رمضان قبل قدومه بشهر وأشعر بما يمنحه للحياة من أجواء غريبة منذ النصف الثانى من شعبان.
شهر الصيام يقرع أجراس حياتنا ولم نر الشباب المصرى الجدع يمارس هوايته فى تركيب الزينات وقصاقيص الورق الرمضانية فى شوارع الحوارى الشعبية الضيقة، ومن أسفل أقدامهم التى تعلو السلالم الخشبية من أجل إنارة شارع لا يرى النور والنظافة إلا حينما يأتى رمضان الكريم، يقف أطفال صغار بفوانيس أصبحت بلا طعم بعدما جعلوا سعد الصغير يغنى داخلها بدلا من «وحوى ياوحوى» وهم يحلمون بذلك اليوم الذى يصعدون فيه السلم وينالون شرف تعليق زينة رمضان.
رمضان بدأ وباروكة الزينات التى كانت تكسو الشوارع المصرية بجو من البهجة والفرح ليست موجودة، مصر مازالت «قرعة» لأن الناس معندهاش نفس بسبب الارتباك الحاصل، أو ربما لأن جيوبهم خالية من الفلوس، حتى الآن رمضان الثورة لم يفرض كلمته ومازالت الكلمة العليا للخيم الرمضانية التى تضم سهرات رجال الأعمال ورجال السلطة ومايصاحبهما من فنانين ولاعبى كرة وبعض من أبناء المحروسة الذين مازالت جيوبهم قادرة على الإنفاق .. بس ده برضه مش رمضان.
رمضان هو ذلك الفانوس الذى يزغرد من بلكونة الموظف الغلبان الذى ينتفض قلبه بالسعادة وعيون أولاده بالفرح وهو يستعد لأن يربط الحبل الذى سيتدلى منه نور جديد يبعث بعض الأمل والفرحة فى قلوب أشقاها التعب طوال سنة، لم ترحم أيامها حاجتهم ولا قسوة قلة حيلتهم، رمضان هو تلك الأحبال التى تتدلى بأوراق صفحات كشكول المدرسة بعد أن حولها مقص أجمل بنت فى الحارة إلى أشكال باسمة تمنحك شعورا بالراحة وهى تتراقص مع نسمات هواء الفجر والدعاء الذى يسبق الذهاب إلى المسجد، رمضان هو انتظارك لطرقات الباب الخفيفة الذى ما إن تفتحه حتى تجد ابتسامة طفل من أبناء الجيران تواجهك لتخبرك بأنه فى حاجة إلى 2 جنيه من أجل زينة وإنارة رمضان، هكذا يسمونها وهكذا يبذلون قصارى جهدهم فى صناعتها.
رمضان بدأ وستجرى أيامه كما القطار التوربينى ومع ذلك لا شىء من تلك الأشياء المفرحة التى اعتدنا أن نستقبل رمضان بها قد اتخذ مكانه الطبيعى، الناس فعلا معندهاش نفس تفرح، والساقية التى تدور وهم بداخلها لا ترحم، وربنا يسامح المخلوع الذى كان يجلدنا لندور فى الساقية، ويا رمضان لا تكن كريما عليه أبدا!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة