"الانفلات الديمقراطى" مرض تعانيه مصر فى هذه الأيام بجوار "الانفلات الأمنى".. الأول لا يساوى الثانى فى خطورته فالأول أخطر بطبيعة الحال.. كيف؟
الانفلات الأمنى يمثله قلة، مواجهتهم مشروعة، فلا أحد يعترض على التصدى للبلطجية والفتك بهم حتى وإن كان وفق نظام الغابة، أو على طريقة قتيل كترمايا فى لبنان، ودليلى فى ذلك ما حدث بدسوق التابعة لمحافظة كفر الشيخ عندما مثل عدد كبير من الأهالى بجثة بلطجى كثيرا ما هدد حياتهم وممتلكاتهم، ولا نتوقع أن يتوقف أحد كثيرا أمام هذا الحادث الوحشى باعتبار ما لاقاه البلطجى مصير منطقى وطبيعى ولا حل سواه.
أما الانفلات الديمقراطى يا سادة فلا أحد يستطيع الوقوف أمامه أو رفضه أو حتى انتقاده إلا على استحياء وإلا يصبح القائم بذلك من فلول النظام البائد أو خائن للثورة وكاره لجموع المصريين.
الانفلات الديمقراطى هو ما نعيشه الآن وهو ورغم خطورته له ما ببرره فالشعب المصرى عاش مثل خيول محبوسة فى حظيرة سنوات طويلة وعندما كسرت قيوده انطلق بقوة عنيفة فى كل الاتجاهات ودون تريث.. هو يريد أن يؤكد على آدميته لكن بطريقة تفتقد إلى المنطق والعقل وهو فى ذلك لا يتوانى لحظة فى الإضرار بالآخرين.. إنه يمارس حريته بـ"هبل" وكأنه يريد أن يعوض ما فاته.
أنا لا أنكر - ولا أحد يستطيع - الاعتراف بفائدة الاحتجاجات داخل ميادين مصر فى تحقيق كثير من أهداف الثورة العظيمة، وأبرزها مثول رأس النظام محمد حسنى مبارك فى قفص الاتهام بصحبة نجليه وقادة آلته الشرطية الظالمة.. لا أنكر فضلها فى حصول أهالى الشهداء والمصابين على جزء من حقوقهم.. لكنى لا أخشى القول بأن استمرار هذه الاحتجاجات بات يشعرنى بأننا فى اتجاهنا إلى "عرقنة" مصر، وأقصد بالعرقنة تحويل مصر إلى عراق آخر، تتناحر فيها القوى والطوائف من أجل إثبات الوجود أو تنفيذ أجندات خارجية.
فى 29 يوليو الماضى خرج الإخوان والسلفيون والجماعة الإسلامية إلى ميدان التحرير فى مليونية رفعوا خلالها صور أسامه بن لادن وهتفوا "يا أوباما يا أوباما كلنا أسامة" كما رفعوا علم المملكة العربية السعودية فى إشارة إلى الإيمان بالفكر الوهابى، وهنا اتهم البعض السلفيين بأنهم ينفذون أجندات تنظيم القاعدة وحركة طالبان والسعودية.
وتفاقمت مخاوفى اليوم عندما خرج علينا قادة بعض الطرق الصوفية ومعهم أقباط وتيارات أخرى فى مظاهرة مليونية أسموها "فى حب مصر" ولم يخف الشيخ علاء الدين أبو العزايم - فى لقاء له بإحدى الفضائيات المصرية - هدف المليونية من أنها موجهة ضد رفع صورة أسامة بن لادن وعلم السعودية، وهنا اتهم السلفيون وبعض الإخوان الصوفيين بأنهم ينفذون أجندة إيرانية.
إنها مهزلة بكل المقاييس يا سادة.. لقد وصل الأمر إلى حد لا يمكن السكوت عليه، فمصر أم الدنيا لا تحتاج إلى تنفيذ أجندات خارجية أو تقليد نماذج آخرين، فلها أن تقرر ما يريده الغالبية والغالبية تريد الاستقرار وليذهب أصحاب كل الإيديولوجيات إلى الجحيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة