إن رأيت أحدهم يتكلم عن الثورة والخراب الذى ألحقته بالوطن.. فانظر إليه من فوق لتحت وكشر عن ضحكتك الساخرة واتركه وارحل، وإن حاول أحدهم أن يقنعك بأن الأهالى فى البيوت مرعوبون من الانفلات الأمنى وأمور السرقة والبلطجة.. فكرر معه نفس ما فعلته مع السابق، أما إذا تمادى أحدهم وكرر نغمة وصف المتظاهرين الذين نزلوا إلى الميدان فى 25 يناير وما بعدها من أيام بالبلطجية والمشاغبين، فخذه من يده وقف به أمام شاشة عملاقة تنقل أحداث الشغب فى لندن ودعه يتعرف بمفرده على الفرق بين الثورة من أجل الحق وما قد يعلق بها من شوائب، وبين أعمال النهب والسرقة والبلطجة، وإذا حاول نفس الشخص أو غيره من محبى الاستقرار والمشى فى «ضل الحيط» أن يحدثك عن حجم الخسائر التى أصابت الوطن بسبب الثورة ومظاهراتها فأخبره أن تكلفة ثلاثة أيام من الشغب والبلطجة فى لندن بلد الاستقرار والقانون تجاوزت 100 مليون جنيه فى أقل التقديرات المبدئية التى ظهرت حتى الآن.
ما سبق كان كلاما ضروريا لكى نصل إلى الخلاصة الأهم، والخلاصة الأهم هنا تقول وتؤكد على ضرورة ألا نقسو على أنفسنا بعد الآن، تقول بأننا لابد أن نسير فى شوارع العالم ونحن مرفوعو الرأس، تقول بأننا لابد أن نقطع لسان أحدهم إذا كرر جملة «فى أوروبا والدول المتقدمة»، لأن ما حدث فى شوارع لندن وتوتنهام يثبت أن أهل المحروسة الأقل تعليما والأشد فقرا وجوعا أكثر تحضرا من أهل لندن.
لا تعتبرها مبالغة يا صديقى أو نوعا من أنواع النفخ فى الذات، لأن أرض الواقع بنفسها إذا نطقت لن تقول سوى ذلك، ستقول بأن مصر التى عاشت أكثر من شهر دون أن يوجد فى شوارعها ضابط شرطة واحد أو حتى خفير نظامى، وانهار نظامها وانفتحت بطنها أمام الجميع لم تشهد ما شهدته إنجلترا بكل ما تملكه من أنظمة قانونية، وما توفره من حقوق ورفاهية خلال 3 أيام فقط.
صحيح أن بعض البلطجية قد خرجوا من جحورهم واقتحموا عددا من المحال ليلة 28 يناير، ولكن كان الأمر سريعا وخاطفا، وكثير من تلك الهجمات كان مدبرا وهدفه إرهاب الناس، وأغلب الذين فعلوا ذلك كانوا بلطجية وارد وزارة الداخلية، وليسوا جوعى أو فقراء مصر، على عكس ما حدث فى لندن وتوتنهام على يد شبابها، ولم نسمع أن شابا فى لندن أو مجموعة من لصوصها أعادوا المسروقات واعتذروا، بينما فى مصر خرج أهالى بولاق فى مشهد هو الأرقى والأعظم فى هذه الثورة وهم يحملون ما سرق من داخل منطقة الأسواق الحرة لإعادته فوق سيارة نقل ترفع شعار أهالى بولاق يعتذرون عما بدر من بعض شبابها المتهورين.
افرح بمصريتك يا صديقى وبإثبات حالة تحضرك ورقيك عالميا، وتفاءل بمستقبل الوطن الأفضل، وادع كل من شكك فى ثورة 25 يناير، وتحدث عن بلطجية المتظاهرين وجوع المواطنين الذى قد يدفعهم إلى العنف -لمشاهدة تفاصيل ساعات الرعب فى شوارع إنجلترا، ليتأمل الفرق بين الشعب المصرى وبقية شعوب العالم فى الأوقات الصعبة، لعله يدرك ولو للحظة أن الاستقرار لا يتلخص كله فى عسكرى المرور أو ضابط بدبورة يملك حق ضرب المواطن على قفاه دون اتهام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة