تعرض مصطلح البلطجة والبلطجية لإهانة كبيرة طوال الثلاثين عاما الأخيرة وأساء النظام السابق لتاريخ البلطجة والدور التنويرى الذى لعبه البلطجية فى مصر..!
هذا ليس من باب السخرية والفكاهة، ولكنه حقيقة تاريخية لنشأة البلطجة فى الدولة العثمانية ثم انتقالها إلى مصر منذ محمد على باشا، وظل الناس ينظرون باحترام لدور البلطجية ولم يسبغوا هذه الكلمة على المنحرفين أو أرباب السوابق أو المجرمين إلا مع دخول الدولة فى عهد النظام السابق وبقوة فى توظيف عصابات وميلشيات ضد المعارضة السياسية فى الانتخابات وضد التظاهرات والاحتجاجات السلمية، ثم دخل أصحاب النفوذ السياسى والمالى على الخط، باستئجار أرباب سوابق ومرتزقة ومجرمين للاعتداء، ولتنفيذ العمليات القذرة.
تعرضت البلطجة والبلطجية لأكبر حملة تشويه لتاريخها ودورها فى السنوات الأخيرة، فقبل ذلك كان يطلق على المجرمين أو الخارجين على القانون لقب الأشقياء أو بالأكثر «السفاح» مثلما أطلقت وسائل الإعلام على «خط الصعيد» فى الخمسينيات.
وإنصافا كان للبلطجية وظيفة اجتماعية رائعة ودور اجتماعى نبيل فى مشروع النهضة المصرية فى أوائل القرن التاسع عشر. فالبلطجية كانوا يمثلون فرقة مشاه منظمة فى الجيش العثمانى تتقدم القوات الغازية لقطع الأشجار بالبلط وشق الطريق أمامه، واستمر الحفاظ على تلك الفرقة فى الجيش المصرى فى عهد محمد على (١٨٠٥- ١٨٤٨).
ارتبطت البلطجة فى العامية المصرية، وفى أذهان المصريين فى بدايات القرن التاسع عشر، بمدلول طيب فالبلطجية فى مصر وفى عهد محمد على لعبوا دوراً مهماً فى مشروع التحديث والتطوير، فعندما أنشأ محمد على أول مدرسة لتعليم البنات فى مصر، وكانت مخصصة لتعليمهن التمريض، كان مشهد الطالبات الذاهبات إلى المدرسة بالزى الأبيض الموحد، كاشفات عن وجوههن، جديداً على المصريين ومثيراً لانتباههم، وهو ماحرض على قيام العامة من الناس بمعاكستهن لدى مرورهن فى الشوارع، وهو ما أثار غضب محمد على، فأمر على الفور بتخصيص بلطجية من الجيش لحماية الطالبات من المعاكسات والمضايقات والفضول، وكان كل بلطجى يتقدم طالبة ساحباً الدابة التى تمتطيها إلى المدرسة، وأدى هذا الأمر إلى ضبط سلوك الشارع المصرى وهدوئه، وتشجيع الفتيات على الاستمرار فى التعليم، وتحفيز غيرهن على الالتحاق بالمدرسة، واستمرار أحد المنجزات المهمة والحيوية فى مشروع تحديث مصر..!
بلطجية محمد على لعبوا دوراً فى مرحلة تنوير الوطن، بلطجية مبارك والعادلى لعبوا فى الوطن نفسه!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة